وهو القاهرفوق عباده
--------------------------------------------------------------------------------
كان ملِكًا يتجبَّر في الأرض ويقهَرُ عِباد الله، كان لآيات الله عنيدًا، تبِع فِرْعون في صلفه وغروره، وسار على خُطَا قارونَ في فرَحِه وسُروره، وأعاد ذِكْرى النمرود في عنادِه وجحودِه.
نسِيَ أو تناسَى أنَّ فوق كل ذي علمٍ عليمًا، وأنَّ فوق كل ذي قوةٍ قويًّا.
يقتل مِزاجًا، ويبطش تسلية، لا إقامةً لحدود الله المنتهكة، ولا اقتصاصًا لصاحب حقٍّ، ولا إنصافاً لمظلوم.
وذات مرة لزمَ مزاجُهُ نجارَهُ الخاصَّ يريد سفك دمه، لكنه يريد الفكاهة والتسلية، يريد أن يشرّع قتله، فأرسل إليه يطلب منه تجهيز مائةِ كيسٍ من نُشَارَةِ الخشب خلالَ أربع وعشرين ساعة، وإلا كان الحتفُ مصيرَه المحتوم.
ودَّع النجار أهله والدمعة تترقرق في عينيه، والقلب يدمى على زوجةٍ وأولاد سيُهدم عَمُودُ بيتهم.
بدأ يسأل نفسه ما الذنب الذي ارتكبته لكي ألاقي هذا المصير، ولكن صدق القائل: "المُلُوكُ كُلُّهُمْ شَرٌّ فَلاَ يَكُنْ مِنْكَ وُقُوفٌ عَلَى بَابِهِمْ أَوْ ذُلّ".
وفي الصباح جاء زبانيته يطرقون الباب ، وكلُّ طرقَةٍ كأنَّها جبلٌ يدكُّ رأسَ ذلك الرجل.
فتح الباب وكأنه يفتح باب قبره، ولما همَّ بالخروج معهم أوقفوه قائلين لا داعي لذلك بعد اليوم.
وقد جئناك لأمر آخر، نريد منك أن تصنع لنا تابوتًا خشبيًّا؛ لأن الملك قد مات.
{وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ} [سورة الأنعام: الآية 18].