]size=24]ا
رجال ومواقف
إن الله يدافع عن الذين آمنوا
من المواقف المؤثرة جدا والشجاعة ما رواه ابن نعيم في الحلية أن أبا الحسن الزاهد عِلمَ بما يفعله حاكم مصر أحمد بن طولون من البطش بالرعية وقهرهم والتنكيل بهم؛ حتى إنه قتل -كما يقال- ثمانية عشر ألف إنسان صبراً، أي: بحبسه حتى يموت أو يحبسه ويرميه بشيء حتى يموت، فتبرم الناس منه وضاقوا ذرعاً بقهره واضطهاده لهم. فذهب أبو الحسن الزاهد إلى أحمد بن طولون امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة] وقال له: " إنك ظلمت الرعية"، وخـوفـه بالله، فتميز هذا الطاغية غضباً عليه، وأمر بسجنه وأن يلقى إلى أسد جائع حتى يفتك به، فجيء بأسد قد جوع أياماً، ووضع أبو الحسن وهو أعزل في فناء أو ساحة وجيء بهذا الأسد الضخم العظيم الذي مجرد زئيره يقطع نياط القلوب، فكيف بمرآه وهو طليق؟! فكان هذا الأسد يزأر والناس ينظرون خائفين فزعين، أما أبو الحسن الذي يعنيه الأمر، فإنه كان جالسا مطرقاً كأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد، فما إن اقترب منه الأسد حتى تغير حاله، أي حال الأسد، وهدأ وأقعى على الأرض، ثم اقترب قليلاً قليلاً من هذا الإمام وبدأ يمسحه، ولم يصبه بأذى بل انصرف عنه!
فوسط تهليل الناس وتكبيرهم جاء ابن طولون هذا الطاغية، وأخذ هذا العالم وأخذ يسأله: ماذا كان في قلبك؟ وماذا كنت تقول حين أقبل عليك الأسد؟ ربما تصور الناس أن هذا العالم عندما كان جالساً ساكناً أنه قد أصابته القشعريرة والرعدة وأصابه الخوف، فأعجزه عن القيام أو الفرار مثلاً أو أنه كان ساحراً أو مشعوذاً كما يلبس كثير من الجهال على بعض الناس، فلذلك سأله ابن طولون : ماذا كان في قلبك؟ وماذا كنت تقول؟ قال: ليس عليَّ منه بأس، إنما كنت أفكر هل لعاب الأسد طاهر أم نجس، أي هو مشغول بمسألة فقهية فرعية هل لعاب الأسد طاهر أم نجس؟! أما قضية الأسد وفتكه به فهو كان يثق بالله عز وجل، ويعلم أنه موقف لله، والله يدافع عن الذين آمنوا. [/size]