قال ابن الجوزي رحمه الله:
فينبغي للعبد المتيقظ أن لا يخلي نفسا من أنفاسه عن فعل خير، فإن كل نفس خزانة، وليعد لكل عمل جوابا، فإن السؤال عنه لا بد منه، وليتأهب للرحلة التي لا يدري متى تقع، وليراقب من يراه سرا وعلانية، فإنه إن تكلم سمع، وإن نظر رأى، وإن تفكر علم، والجنة اليوم في السماء تزخرف، والنار تحت الأرض توقد، والقبر عن قليل يحفر، والملكان عن يمين وشمال، والصحائف تملأ بالخير أو الشر، فاغتنم يا هذا صحتك في هذا الزمن قبل وجود الزمن، واعمر دار البقاء بإنقاص من دار الفناء، وإياك أن تغفل عن نفسك، فإن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، ولا تذهب لحظة إلا في فعل خير، وأقل مراتب الأفعال الإباحة، واستوثق من قفل البصر وغلق اللسان، فإنه إن فتحهما الهوى نهب ما في القلب من الخير. وزاحم الفضلاء في أعمالهم، وقد أجمع الحكماء أنه لا تنال راحة براحة، ومثل لنفسك عاقبة الطاعة ومغبة المعصية، فكأنه ما شبع من شبع، ولا التذ من عصى، ولا تألم من صبر، وأين لذة [لقمة] آدم؟ وأين مشقة صبر يوسف؟ واحذر من مخالطة أهل هذا الزمان، فإن الطبع يسرق عادات المعاشرين، ولتكن مخالطتك للسلف بالاطلاع على أحوالهم. وحادث القرآن بالفكر فيه في الخلوات، وتصفح جهاز الرحيل قبل أن تفاجأ بغتة، فلا ترى عندك غير الندم
تنوير الغبش في فضل السودان والحبش ص251