روح تسرِي في القلوب
"من أهمِّ الأوصافِ التي وصفَ بها القرآنُ أنه روح {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}[الشورى:52]، فأهميةُ وجودِه في القلبِ وتأثيرِه عليه، كأهميةِ الروحِ بالنسبةِ للجسدِ.. بل يزيدُ باعتبارِ أنَّ الأجسادَ إلى زوالٍ، وأنَّ القلبَ هو محلُّ نظرِ الله -عز وجل-، وعلى قَدْرِ سلامتِه وصِحَّتِه تكونُ الاستقامةُ في الدنيا، والنجاةُ يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:88-89].
لذلك لا يخطئُ مَن يقولُ بأنَّ مَن يقرأُ القرآنَ ويُحْسِنُ التعرُّضَ لتأثيرِ آياته يجدُ نفسَه ينتقلُ بين سورِ القرآن فتتحرّكُ بها مشاعره.. هذه سورةٌ تثيرُ فيه مشاعرَ الثقةِ والاعتزازِ، وتلك سورةٌ تثيرُ فيه مشاعرَ الغيرةِ، وأخرى تثيرُ فيه مشاعرَ الغضبِ لله، وتلك سورةٌ تثيرُ فيه مشاعرَ الأحزان، وهكذا..."[التعبير القرآني والدلالة النفسية ص222 بتصرف].
إنّه ليس كتابًا فحسب، وليس دواءً فحسب، إنه شيءٌ متفرّدٌ لا يمكنُ إدراكُ كُنْهِه وقدرتِه الفذّةِ على العملِ في ذاتِ الإنسان.
إنّه -كما يقول سيد قطب-: "يزيلُ الغشاوةَ، ويفتحُ النوافذَ، ويسكبُ النورَ، ويحرّكُ المشاعرَ، ويَسْتَجِيشُ القلوبَ، ويُخَلِّصُ الضميرَ، وينشئ حياةً للروحِ تنبضُ بها وتشرق وتستنير"[في ظلال القرآن 6/ 3297].
[المصدر: تحقيق الوصال ص35 - د/ مجدي الهلالي]