سيف عمر بن الخطاب
بدأ المسلمون يهاجرون، وهم يعرفون كلَّ هذه العواقب،
وفي اللحظة نفسها أخذ المشركون يَحُولُون بينهم وبين خروجهم؛ وذلك لما كانوا يحسُّونه من الخطر،
فعلى سبيل المثال كان أبو سلمة من أول المهاجرين، فخرج هو وزوجته وابنه،
إلا أن أهل زوجه منعوها من الهجرة وأخذوها عندهم،
فجاء أقارب زوجها فأخذوا ابنها سلمة منها، بعد أن خلعوا ذراعه نتيجة لتنازعهم عليه مع أهل أبي سلمة،
فظلَّت أُمُّ سلمة تبكي لفراق زوجها وولدها وحرمانها من الهجرة مدَّة عام كامل،
حتى رَقَّ لحالها أحدهم، فردُّوا ابنها إليها، وأذنوا لها أن تلحق بزوجها، فخرجت مع ولدها منفردَيْنِ إلى المدينة،
فأخذت النخوة والمروءة عثمان بن طلحة فصحبها إلى المدينة لحراستها وتأمينها،
فكانت أوَّل امرأة مهاجرة تدخل المدينة، وعاد عثمان بن طلحة وبقي على شركه، ولم يُسْلِم إلا في العام السابع للهجرة.
ولما أراد صهيب الهجرة قال له كُفَّار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالك عندنا، وبلغتَ الذي بلغتَ،
ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك.
فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي، أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم. قال: فإني قد جعلت لكم مالي،
فبلغ ذلك رسول اللَّه فقال: "رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى".
وفي حين كان أغلب الصحابة يهاجر سرًّا لِيَتَّقُوا إيذاء قريش،
فإن عمر بن الخطاب خرج وهو متقلِّد سيفه، وفي يده الأخرى عدَّة أسهم، ووقف ينادي عند الكعبة قائلاً:
يا معشر قريش، مَن أراد أن تثكَلَهُ أمه، أو يُوتمَّ ولدُه، أو ترَمَّل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، فلم يخرج خلفه أحدٌ، بل هاجر معه عشرون من ضعفاء الصحابة
وعلى كلٍّ فقد خرج الناس أرسالاً يتبع بعضهم بعضًا، حتى لم يبقَ بمكة من المسلمين إلا رسول اللَّه وأبو بكر وعليٌّ،
أقاما بأمره لهما، وإلا من احتبسه المشركون كرهًا، وقد أعدَّ رسول اللَّه جهازه ينتظر متى يُؤمر بالخروج.
أما قريش فكانت تُفَاجَأُ كلَّ يوم بهجرة رجل أو رجلين أو عائلة، بل إن بعض الفروع من القبائل قد هاجرت بكاملها، وخَلَتْ كثير من ديار مكة من سكانها، وهو الأمر الذي أوقع فيهم سادتها ضجَّة كبيرة،
وأخذ القلق يساورهم بشكل لم يسبق له مثيل؛ إذ تجسَّد أمامهم الخطر الحقيقي العظيم
الذي أخذ يُهَدِّد كيانهم الوثني والاقتصادي.
ومن ثم لم يجد المشركون في مكة بُدًّا من أن يستأصلوا الإسلام بأنجح الوسائل في نظرهم
وذلك بالقضاء على رسول الله نفسه!!