منَّ الله علي رسوله برحلة الإسراء والمعراج
هناك اختلاف بيِّن في زمن الإسراء والمعراج، فقيل: قبل الهجرة بسنة. كما ورد أنه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا، وحكى أنه كان في رجب،وحكى أنه كان قبل الهجرة بثلاث سنين ويُعلِّق الشيخ أبو زهرة فيقول: "وننتهي من هذا بأن علماء السيرة النبوية مختلفون في تعيين اليوم الذي كان فيه الإسراء، ولكن الواقعة ثابتة، وقد اتفقوا على أنها كانت بعد ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وردِّهم له الردَّ المنكَر، وأن كونها في ليلة السابع والعشرين من رجب ثبتت بخبر لم يصح سنده في نظر الحافظ المحدث ابن كثير...
كانت رحلة الإسراء والمعراج للرسول مواساة له ولتمسح عنه الأحزان،
وتنقله إلى عالم أرحب وأُفق أقدس وأطهر، إلى حيث سِدْرَةالمنتهى، والقُرْب من عرش الرحمن,
ولتعدُّه إعدادًا خاصًّا لمرحلة أكبر وأعظم؛ وهي مرحلة إقامة الدولة الإسلاميَّة العالميَّة التي تنشر الهدى والحقَّ للعالمين وقد كان من حكمته إزاء ما كان يلقى من أهل مكة من التكذيب والصدِّ عن سبيل الله
أنه كان يخرج إلى القبائل في ظلام الليل، حتى لا يَحُولَ بينه وبينهم أحدٌ من أهل مكة المشركين،
وقد خرج ليلة ومعه أبو بكر وعلي فمرَّ على منازل ذهل وشيبان بن ثعلبة وكلَّمهم في الإسلام،
ودارت بين أبي بكر وبين رجل من ذهل أسئلة وردود طريفة، وأجاب بنو شيبان بأرجى الأجوبة،
غير أنهم توقَّفوا في قَبُولِ الإسلام.
ثم مرَّ رسول الله بعَقَبَة مِنًى، فرأى ستَّة من شباب يثرب، كلهم من الخزرج، وهم:
أسعد بن زرارة، وعون بن الحارث بن رفاعة، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد اللَّه بن رئاب،
وكان أهل يثرب يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة: أن نبيًّا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج فنتَّبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلمَّا لحقهم رسول الله قال لهم:"مَنْ أَنْتُمْ؟" قالوا: نفر من الخزرج.
قال: "مِنْ مَوَالِي الْيَهُودِ؟" أي حلفاءهم، قالوا: نعم. قال:"أَفَلا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمكُمْ؟" قالوا: بلى. فجلسوا معه،
فشرح لهم حقيقة الإسلام ودعوته، ودعاهم إلى الله وتلا عليهم القرآن.
فقال بعضهم لبعض: تعلمون واللَّه يا قوم، إنه للنَّبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنَّكم إليه.
فأَسْرَعُوا إلى إجابة دعوته وأسلموا، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشرِّ ما بينهم،
فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين،
فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك.
********