كان أبو طالب عمُّ رسول الله مراقِبًا للوضع من بعيد
فخشي على ابن أخيه من إيذاء قريش وبطشهم
فقرَّر أن يجمع بني عبد مناف لنصرة رسول الله فوافق الجميع، مسلمهم وكافرهم؛
حمية للجوار العربي، الأمر الذي أصبحت معه مكة على أعتاب أزمة خطيرة،
وأصبحت المواجهة بين بني عبد مناف وبين بقيَّة قريشحتميَّة لا مناصَ منها،
وحينئذٍ أخذت قريش قرارًا خطيرًا هو المقاطعة
وتفعيل سياسة الحصار الاقتصادي لبني عبد مناف،
والتجويع الجماعي لهم، كفارًا ومسلمين، واتفقوا على ألا يناكحوهم، ولا يزوِّجوهم ولا يتزوَّجوا منهم، ولا يُبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلِّموهم،
وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطَّلب صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة
حتى يُسْلموا رسول الله لهم للقتل!!
وهنا بدأت حِقبة جديدة من المعاناة والألم،
حيث حُوصِر المسلمون والمشركون من بني عبد مناف
ومعهم أبو طالب في "شِعْبِ أبي طالب"،
وقد بلغ الجهد بهم حتى إنه كانت تُسمع أصوات النساء والصبيان
وهم يصرخون من شدَّة الألم والجوع، وحتى اضطروا إلى أكل أوراق الشجر والجلود، وقد ظلَّت تلك المأساة البشريَّةطيلة ثلاثة أعوام كاملة،
حتى جاء شهر المحرم من السنة العاشرة من البعثة،
وشاء الله أن يُفكَّ الحصار البشع عن بني هاشم وبني عبد المطَّلب،
وكان ذلك على يد ثُلَّة من مشركي قريش جمعتهم النخوة والحميَّة القبليَّة،
ثم بفضل آية قاهرة من آيات الله تمثَّلت في الأَرَضَة التي أكلت جميع ما في الصحيفة التي اتَّفقوا عليها، من جَوْر وقطيعة وظلم، إلا ذكر اللَّه !!
وبعد هذا الحصار وفي هذه السنة - العاشرة من البعثة -
مرض أبو طالب عمُّ رسول الله وأحسَّ الجميع بأنه مرضُ الموت،
وخافت قريش أن تُعاب بعد موته إن هي آذت رسول الله
فكوَّنت وفدًا من زعمائها إلى أبي طالب
يعرضون عليه أن يكفُّوا عن إيذاء رسول الله ويكفَّ هو عن إيذائهم بما يدعوا إليه
فما كان من رسول الله إلا أن قال: "يَا عَمُّ، أَفَلا تَدْعُوهُمْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ؟"
قال أبو طالب: وإلامَ تدعوهم؟
قال: "أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَيَمْلِكُونَ بِهَا الْعَجَمَ". فقال أبو جهل بلهفة: ما هي؟ ثم أقسم: وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها.
فقال رسول الله في ثبات: "تَقُولُونَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ. وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ". فصفَّقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ إن أمرك لعجب!!
ثم إن بعضهم قال لبعض: إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئًا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه. ثم تفرَّقوا!!
*********************************************