وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ
--------------------------------------------------------------------------------
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } البقرة 93
قال الإِمام الرازى: قوله تعالى: { وَأُشْرِبُواْ في قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } فى وجه هذه الاستعارة وجهان:
الأول: معناه يداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب، وقوله فى قلوبهم بيان لمكان الإِشراب كقوله:
{ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَاراً }
الثانى: كما أن الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض، فكذا تلك المحبة كانت مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال.
وفى الجملة الكريمة { وَأُشْرِبُواْ فى قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } مضاف محذوف وهو لفظ (حب) لدلالة المعنى عليه.
والمعنى: إن هؤلاء اليهود الذين مردوا على العصيان قد خالط حب العجل نفوسهم حتى استقر فى قلوبهم كما يخالط الماء أعماق الجسد. وحذف لفظ الحب من الجملة الكريمة، يشعر بشدة تعلق قلوبهم بالعجل حتى لكأنهم أشربوا ذاته.
والتعبير بقوله: { أُشْرِبُواْ } يشير إلى أنه بلغ حبهم العجل مبلغ الأمر الذى لا اختيار لهم فيه كأن غيرهم أشربهم إياه.
وقوله تعالى: { بِكُفْرِهِمْ } دليل على أن محبتهم للعجل ناشئة عن كفر سابق، وجحود متأصل فكفرهم الذى ترتب على عبادتهم للعجل، قد سبقه كفر آخر، فهو كفر على كفر.من التفسير الوسيط للشيخ سيد طنطاوى رحمه الله