الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
محمد راتب النابلسي
مقدمة لموضوع الزهد:
الموضوع يحتاج إلى مقدمات كثيرة، ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
[ رواه في صحيح مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه ]
لماذا ؟ لأن القوي أمامه فرص للعمل الصالح لا تعد ولا تحصى، ولأن علة وجودك في الدنيا بعد الإيمان بالله العمل الصالح، وقد قال الله عز وجل يصف أهل الدنيا حينما يأتيهم ملك الموت:
﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
(سورة المؤمنون )
هذا ما يمكن أن يفعله القوي:
فالقوي بعلمه، والقوي بماله، والقوي بمنصبه متاح له أن يفعل من الأعمال الصالحة ما لم يتح لغيره، أي أن الممكنين في الأرض بالمال، أو بالعلم، أو بالقوة بجرة قلم القوي يحق حقاً، ويبطل باطلاً، ويقر معروفاً، ويزيل منكراً، بتوقيع واحد.
والغني بإمكانه أن يحل مشكلات الألوف من الناس، بتزويج الشباب، بتهيئ فرص عمل، برعاية الأيتام، بإطعام الفقراء، بمعالجة المرضى، بإنشاء المستشفيات ، الغني متاح أمامه من الأعمال الصالحة ما لا سبيل إلى وصفه، والقوي متاح أمامه بجرة قلم أن يحقق مصالح الأمم.
والعالم بتنوير العقول، وتوضيح معالم الدين، وترسيخ القيم، والرد على الشبهات، يعود هذا العلم على الأمة ثقة بدينها، وطاعة لربها، واعتزازاً بماضيها.
إذاً:
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
حب الدنيا رأس كل خطيئة:
أين موضوع الزهد في هذه المقدمة ؟ الدنيا بحظوظها، المال حظ، الجمال حظ الذكاء حظ، القوة حظ، الدنيا بحظوظها إذا صرفتك عن عمل صالح، عن طاعة، عن أداء فرض، عن أداء سنة، عن أداء واجب، عن دعوة، عن انشغال بما فيه خير الأمة، حينما تشغلك الدنيا عن علة وجودك وغاية وجودك، حينما تشغلك الدنيا عن الهدف الذي خلقك له ، حينما تشغلك الدنيا عن أن تفلح فيها بمقياس القرآن، لا بمقياس أهل الدنيا، حينما تشغلك الدنيا عن علة وجودك وغاية وجودك، عندئذٍ نقول: حب الدنيا رأس كل خطيئة، عندئذ نقول: الدنيا تضر، وتغر، وتمر، عندئذٍ نقول:
(( الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له ))
[ أخرجه أحمد، والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود ]
عندئذٍ نقول: الدنيا جيفة طلابها كلابها، متى ؟ حينما تحول الدنيا بينك وبين طاعة الله، حينما تحملك على معصية الله، حينما تحملك على إهمال الحقوق، حينما تحملك على أن تنصرف عن العلة التي من أجلها خُلقت.
دور الدنيا :
إذاً: الدنيا لها دور إيجابي، ولها دور حيادي، ولها دور سلبي، الدور السلبي أن يحملك حب الدنيا على معصية الله، هذه الدنيا، وهذه رأس كل خطيئة، وهذه الطامة الكبرى، وهذه الجيفة، وهذه التي حالت بينك وبين الجنة، هذه التي حالت بينك وبين الأبد.
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
( سورة الزمر الآية: 15 )
وتكون الدنيا حيادية، والدليل:
وكلمة رجال في القرآن لا تعني أنهم ذكور، تعني أنهم أبطال، كلمة رجل في القرآن تعني أنه بطل.
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 23 )
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ﴾
( سورة النور الآية: 37 )
إذاً: هم يتاجرون، ويبيعون ويشترون، ولكن هذه التجارة لا تلهيهم عن أهدافهم ، إذاً: ليست من الدنيا، نقول ساعتئذٍ:
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
الإيمان والعمل الصالح علة وجود الإنسان:
أيها الإخوة، لأن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح بعد الإيمان بالله، إذاً: يجب أن نسلك سبيل القوة، علماً، ومالاً، ومنصباً.
أطباء كثيرون درسوا في جامعات في بلاد غربية بعيدة، ووازنوا بين أن يكونوا مدرسين في الجامعات الغربية، أو أصحاب عيادات، دخل العيادة فيما أتصور، وقد علمت هذا عشرة أضعاف راتب أستاذ الجامعة، فأكثر المسلمين الذين درسوا الطب في بلاد بعيدة آثروا فتح العبادات، من تسلم درجات البورد ؟ اليهود، وتحكموا، وصار شبه مستحيل أن يصل طالب مسلم إلى هذه الدرجة، هم أغرتهم المادة، فتركوا رسالتهم في الحياة، وانصرفوا إلى جمع المال، هذه دنيا، بينما الطرف الآخر آثر المنصب الجامعي الذي يخدمون به أمتهم عن دخل كبير في عياداتهم، القضية دقيقة جداً.
العلم سلاح للنهوض والتقدم الصالح:
نحن الآن أيها الإخوة في وضع صعب جداً، لا بد من أن ننهض بهذه الأمة ، وسلاح الأمم الآن العلم، فإذا أتيح لك دخل كبير ولكن على حساب مصالح أمتك هذا من الدنيا.
أيها الإخوة، لذلك الدنيا لا أقول: ذات التأثير السلبي، هذه فكرة مرفوضة أشد الرفض، وكل الأحاديث الشريفة التي تشيد بالزهد من هذا القبيل، أنا أزهد بدنيا تكون عائقاً بيني وبين الله، أزهد بدنيا تكون حجاباً لي عن الله، هذا الزهد السلبي للدنيا، جميع أحاديث الزهد والآيات التي تتعلق بالآخرة.
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾
( سورة الضحى )
من هذا القبيل.
الآن عندنا دنيا حيادية، ليست إيجابية، وليست سلبية، بمعنى قوله تعالى:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
( سورة النور الآية: 37 )
لكن هناك في دنيا إيجابية، حينما يكون المال حلاً لملايين المشاكل، والمال بيدك، أحياناً تنشئ ميتما فيه آلاف الصغار، تربيهم تربية إيمانية، وتربية أخلاقية، وتربية علمية، وتجعل منهم دعاةً كباراً، هذا الكلام يحتاج إلى ملايين، لكن ما قولك أن تأتي يوم القيامة وقد هيأت للأمة ألف داعية بمالك، أحياناً تنشئ مستشفى، وهناك عدد من الفقراء كبير جداً لا يستطيع أن يعالج نفسه، أنت نفّست عن آلاف المؤمنين الكرب.
متى تزهد في الدنيا ؟ ومتى يكون الزهد صحيحا ؟!!!!
لذلك ما دام علة وجودك العمل الصالح فينبغي أن تسعى لأن تكون عالماً، أو غنياً أو قوياً، ما دام طريق العلم، وطريق القوة، وطريق الغنى سالكاً وفق منهج الله يجب، أن تكون غنياً، أو قوياً، أو عالماً، من أجل أن تحقق علة وجودك في الدنيا، من أجل أن تحقق رسالتك، أما إذا كان طريق القوة سالكاً، ولكن لا وفق منهج الله، بل وفق منهج أهل الكفر، إذا كان سلوك طريق القوة على حساب دينك، وعلى حساب مبادئك، وقيمك عندئذٍ نقول لك: ازهد في الدنيا، عندئذٍ أقول لك: الفقر وسام شرف له، إن كان طريق الغنى أن تبيع دينك وأمانتك، وإسلامك، وأن تبيع مبادئك، وأن تبيع قيمك، نقول لك: الفقر وسام شرف لك وإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، لأنك إن كنت قوياً بحجرة قلم تحق حقاً وتبطل باطلاً، تقر معروفاً وتزيل منكراً، أما إذا كان طريق القوة سالكاً ولكن على حساب دينك، مبادئك، قيمك، ضعفك في الدنيا وسام شرف لك نقول لك عندئذٍ ازهد بالقوة وابقَ ضعيفاً.
مفهوم الزهد الساذج السلبي مرفوض:
لذلك أيها الإخوة، الموضوع دقيق جداً، قد نأخذ الأحاديث من دون تحليل، المسلمون اليوم بحاجة ماسة إلى أقوياء ينهضون بالأمة، إلى أقوياء يعيدون لها ماضيها المجيد، يعيدون لها دورها القيادي في العالم، أما الانسحاب من الحياة، والانزواء، والتقوقع فهذا ليس زهدا.
أنا زاهد في الدنيا، عندئذٍ يتفنن أعداءك في إذلالك، وفي قهرك، وفي نهب ثرواتك، وفي بث الفوضى في بلادك، وفي بث الإباحية والانحراف، وكل أنواع الشذوذ، لأنك ضعيف، ومستخذ، ومستسلم، ولا يعنيني، وكله ترتيب سيدك، هذا كلام العوام، يجب أن تكون قوياً، من أجل أن تنهض بأمتك، يجب أن تكون عالماً من أجل أن تنور العقول، يجب أن تكون غنياً من أجل أن تحل المشكلات.
والله هناك مشكلات في العالم الإسلامي متاح أمام الأغنياء من الأعمال الصالحة ما لا يوصف، عندك مشرع مثلاً، تأمين سكن للشباب، الشباب طاقة كبيرة، الشباب قنبلة موقوتة، يحتاجون إلى أعمال، إلى مشاريع، إلى مساكن، إلى زواج، أقول لكم، ولا أبالغ: بالإحصاء الرسمي الدقيق نصف بنات سورية من دون زواج، والفتاة هدفها الأول في الحياة أن تكون أماً، لذلك دافع الأمومة أقوى دافع في الجنس البشري، فإذا حيل بينها وبين أن تكون أماً فهناك احتمال كبير أن تنحرف، احتمال كبير أن تمرض نفسياً، احتمال كبير أن تصاب بالإحباط.
والله أيها الإخوة، لو تعلمون المآسي التي يعاني منها المجتمع لنهضتم من أجل تخفيف هذه الآلام.
مفهوم الزهد الساذج، السلبي، الانسحاب من الحياة، الاستلام لمصير أسود، لمصير مظلم مفهوم مرفوض، تقول: أنا لا علاقة لي، أنا أنجو بنفسي، إن لم تحمل هم المسلمين فلست مسلماً، إن لم تحمل همهم، إن لم تخفف عنهم، إن لم تسهم في حل مشكلاتهم فلست مسلماً.
والله مرة أخ عنده معمل، عنده ثمانون عاملا، قال لي: أنا لا أربح أبداً سنوات طويلة، قال لي: الربح يساوي المصروف، وأنا في غنى عن هذا المعمل، وجاء يستشيرني في إنهاء المعمل، وتسريح العمال، وبيع الآلات، وجعل البناء للإيجار، قلت له: وجود ثمانين أسرة لها دخل من معملك، هذا أكبر ربح بميزان الآخرة، أكبر ربح أنك فتحت ثمانين بيتا، وهيأتَ ثمانين فرصة عمل، بميزان الآخرة هذا أكبر ربح، ولو لم تربح شيئاً، وجزاه الله خيراً، لأنه استمر بالعمل
لما تنسحب من الحياة فقد انتهيت، أنت صغير، وحينما تنسحب فأنت صغير جداً، ولم تحمل همّ المسلمين، أنت لم تهتم بشؤونهم.
أنا متى أقول زهد ؟ أقول: الزهد لدنيا تحول بيني وبين طاعتي، لدنيا تصرفني عن هدفي الكبير، لدنيا تدفعني إلى معصية، أحياناً الغنى يطغي، أحياناً القوة تدعو إلى السيطرة، والظلم، الدنيا التي تحول بينك وبين طاعة الله، وبينك وبين العمل الصالح هذه المذمومة، وهذه المعنية بكل الآيات والأحاديث، أما الدنيا فهي الحيادية.
يستشيرني أخ، أقول له: اذهب إلى بلاد بعيدة، وائتِ بشهادة بورد، واخدم بها أمة المسلمين، حينما يأتي طبيب معه أعلى شهادة من بلاد الغرب تكون أمريكا فقد انتقلت إلى بلادنا.
أن تقول: أنا لا علاقة لي، أو أن تجعل الدنيا حجاباً بينك وبين الله، فهذا هو الموضوع الذي ينبغي أن نفهمه من الزهد، أما أن تكون إنسانا كبيرا، تحمل همّ الأمة، تحل بعض مشكلاتها فهذا هو الزهد الصحيح.
بعض الإخوة عندهم معامل، ما حاولت أن أهيئ عملا لأخ إلا قبلوه، حل مئات المشاكل، هيأ فرص عمل كبيرة جداً، وهو منضبط، ويدفع زكاة ماله بالتمام والكمال، وهو في خدمة الأمة.
فلذلك أيها الإخوة، أنا أخاطب الشباب، أنا أريد شابا طموحا لبناء أمته، طموحًا لرفعة أمته، طموحا لتستعيد الأمة دورها القيادي.
أما الحديث عن الزهد بمعنى:
﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
( سورة الأعلى )
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
( سورة طه )
﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾
( سورة النحل الآية: 96 )
﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
( سورة الحديد )
لذلك:
(( طوبى لمن هدي للإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع به ))
[ أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن فضالة بن عبيد ]
حقيقة الفقر وأقسامه:
1 – فقر القدَر:
إخواننا الكرام، أما الفقر فهناك فقر القدر، إنسان عنده عاهة، تحول بينه وبين العمل هذا فقير، هذا فقر القدر صاحبه معذور، وهناك فقر الإنفاق، وصاحبه محمود.
(( يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ قال: الله ورسوله ))
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر ]
2 – فقر الكسَل:
أما الفقر الذي هو وصمة عار فقر الكسل، كسول، لا يتقن عمله، إرجائي مسوّف، يهمل مواعيده، يهمل حساباته، يهمل إنجازاته، حتى صار فقيرا، فانصرف الناس عنه، وفقرُ الكسل صاحبه مذموم.
حقيقة الغنى وأقسامه:
1 – الغنى المطغي:
الآن يقابل الفقر الغني المطغي، والغنى الذي يكفي، الكفاية يقابل الغني المطغي.
هناك قصة قبل أشهر لإنسان دخله متوسط، له زوجة مؤمنة محجبة، صالحة، دينة، ذهب إلى بلد غني، وحقق ثروة كبيرة جداً، استشارتني على الهاتف، قال لها: تعالي إلي بالبنطال، والبطن المكشوف، وإلا لا أقبلك، صار غنيا، يريد امرأة عصرية متفلتة.
هناك غنى مطغٍ، نعوذ بالله من الغنى المطغي.
1 – غنى الكفاف:
وهناك غنى يكفي، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( اللهم من أحبني اجعل رزقه كفافا ))
أيْ عنده ما يكفيه، وليس عنده ما يطغيه
لذلك أيها الإخوة، أنا أخاطب الشباب، أنا أريد شابا طموحا، طموحًا لرفعة أمته، طموحا ليقدم لها شيئاً، إما من علمه، أو من ماله، أو من مركزه القوي.
مرة ثانية: المركز القوي بجرة قلم تحق حقاً، وتبطل باطلاً، تقر معروفاً، وتزيل منكراً، تقرب ناصحاً مخلصاً، وتبعد فاجراً منافقاً، بتوقيع، فاسعَ لعلم، أو لمال تحل به مشكلات الأمة
نحن نرى أحياناً معهدا شرعيا تقدَّم الأرض هبة من إنسان محسن، ثمنها بالملايين، هذا قدم الأرض، وهذا قدم البناء، وهذا قد الأثاث، وهذا قدم الغذاء، في الملمات، وفي الأزمات، الأغنياء المؤمنون عليهم المعول، الذين بإمكانهم أن يحلوا مشكلات الأمة.
الدنيا الحيادية مقبولة :
فلذلك أيها الإخوة، الدنيا الحيادية مقبولة:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
والدنيا الإيجابية هي التي تعينك على العمل الصالح مطلوبة، وينبغي أن تسلك طريقها، أما الدنيا التي تحجبك عن العمل الصالح، وعن الطاعة، وعن أداء الواجبات فهذه هي المذمومة، وهذه المعنية بكل أحاديث الزهد.
صلاح الأمة بالزهد واليقين:
لذلك صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل.
(( مَنْ كَانَتْ الاَخِرَةُ هَمّهُ جَعَلَ الله غِنَاهُ في قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدّنْيَا وَهِيَ راغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدّنْيَا هَمّهُ جَعَلَ الله فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدّنْيَا إِلاّ مَا قُدّرَ لَهُ ))
[ رواه وكيع عن الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان، عن أنس ]