عندما سئل أحد الحكماء القدامي من أحد مريديه: كيف ياحكيم الزمان تري الخط الفاصل بين العدل والظلم.. أجابه الحكيم قائلا: إنه مثل الخط الفاصل بين النور والظلام الذي نراه بأعيننا عند طلوع الفجر ولحظة غروب الشمس.
وعندما سئل حكيم آخر نفس السؤال أجاب قائلا: إن هذا الخط الفاصل يرتبط بالقدرة علي رؤية الأشياء بعين واحدة لاتقرب المسافات أو تبعدها ولاتضخم الأحداث أو تهون منها... إنها عين الحياء التي لاتلون الأشياء حسب الهوي والغرض!
ومن يراجع مسيرة التاريخ يجد أن العدل والظلم وجهان للعملة المتداولة في رحلة حياة البشر منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها... بل إن تاريخ البشر يقول إن الظلم كان أسبق من العدل وإنه لولا الظلم ماعرف الناس قيمة العدل.
إن الرسالات السماوية التي نزلت علي الأنبياء مع تعدد أهدافها كان لها هدف أساسي بعد عبادة الله والتسليم بوحدانيته هو حشد الأسوياء لحماية الحياة من مخاطر الظلم الذي يمارسه الأشرار.
ومن يقرأ مفردات الرسالات السماوية ـ وفي مقدمتها رسالة الإسلام التي حملها نبي الله محمد بن عبدالله ـ يجد أن أحد أهم عناوينها هو أن العدل أساس الحياة وأن الظلم هو الخطر الذي يهدد البشرية بالفناء.
ومن هنا كانت النصوص واضحة في الشريعة الإسلامية علي تحديد الحقوق والواجبات سواء بين الأمم وبعضها بعضا أو داخل كيان الأسرة الواحدة بين الأب والأم والزوجة والأبناء والإخوة والأخوات, ولهذا لم تترك الشرائع السماوية هذه الأمور رهنا للمقادير أو اعتمادا علي صلة الرحم وروابط القربي وحسن الجوار وإنما جاءت النصوص صريحة تحسبا لما يمكن أن يصيب بعض النفوس من انحراف فتتحول ـ بإرادتها أو بجهلها ـ من كونها نفسا هادئة إلي نفس شريرة تعشق الظلم وتستسهل الجور علي حقوق الغير.
والحقيقة أن الصراع بين الظلم والعدل لا ينشأ من فراغ ولا تصنعه المطامع والمصالح فقط وإنما هو من رواسب عصور الجهالة والوثنية التي لم تر نور الحضارة في ظل قانون الغابة الذي كان يسمح للقوي أن يظلم الضعيف كما يشاء حتي يجيئه من هو أقوي ليسقيه من كأس الظلم.
والحياة علمتنا أن الظلم هو الابن الشرعي لغرور القوة الذي يعمي الجهلاء عن إدراك الحقيقة التاريخية التي تقول إن مايتم حصاده اليوم ـ بالإكراه ـ سوف يتحتم سداده غدا أو بعد غد بإكراه أشد منه عندما تتبدل الموازين!
وبعض مانشهده علي مسرح السياسة الدولية والاقليمية ليس بعيدا عما كنت أتحدث عنه!