ضياع الأوقات
إن التفنن الذي تعيشه أمتنا رجالاً ونساءً في تضييع أوقاتها على الصعيدين العام والخاص ، أدى إلى أن يمضي العالم بدوننا إلى المستقبل ، واعتبارنا من أيتام التاريخ ، وإن لم يتحول هذا التفنن إلى تفنن في استغلال هذه الأوقات وإعمارها على الوجه الصحيح ، فستبقى الهوة بيننا وبين المستقبل كبيرة.
إن قضية قيمة الزمن ، ثمة قضية حضارية ، ولبعد غورها ، وكبير أثرها ، وشديد مساسها ، لا يكتفى في طرحها ومعالجتها بعقد مؤتمرات أو حلقات دراسية ، أو إلقاء محاضرات ، على أهمية ذلك وفائدته .
إنها تحتاج إلى أن ترضع مع لبن الأمهات ، وأن تكون في مسلك الآباء والمجتمع أفراداً ومؤسسات ، واضحة المقصد ، سامية الهدف ، إن فئاماً من الناس كثير ، ظنوا أن العبادة مقصورة على شعائر محددة ، وبعضهم حرف مفهومها ، وحقيقة الأمر بخلاف ذلك ، إذ العبادة تشمل الدين كله ، وتشمل الحياة كلها ، وتشمل كيان الإنسان كله ، ظاهره وباطنه.
بل هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
إنه بدون هذا المفهوم الجامع للعبادة لا يمكن للمرء أن يدرك قيمة الزمن وأهميته وبالتالي أن يغتنمه ، ويتوجه نحو إعماره ، فكان لزاماً أن يدرك الإنسان وجوده وإنسانيته ووظيفته ، فيعمر أوقاته كلها بطاعة الله تبارك وتعالى.
وليعلم أن العادات والمباحات ، إذا حسنت النية فيها ، صارت عبادات .
قال ابن القيم :" فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمر أسرع من مر السحاب ، فما كان من وقته لله وبالله ، فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً في حياته ، وإن عاش فيه عاش عيش البهائم ، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم البطالة ، فموت هذا خير له من حياته.... " أ.هـ (1)
هذا ، وقد درج كثير من التربويين في طرح مثل هذا الموضوع بالحديث عن عوائق استغلال الوقت ، والعوامل المساعدة على استغلال الوقت والسبيل إلى القراءة بدون ملل ولا ضجر .
وقد كان الأجدر التنويع في الطرح ، تبعاً لاختلاف أجناس الناس ، وطبيعة التركيبات البشرية التي خلق عليها الإنسان . ومن هذا المنطلق أود في هذه العجالة ، أن أضع بين يدي القارئ الكريم ، قواعد في قيمة الزمن ، تجديداً في طرح معالجة مشكلة ضياع الأوقات ، وأعد القارئ الكريم في المستقبل بشرحها وبيانها ،
وإليك القواعد: ــ (2)
1. الزمن هو أجل وأشرف ما يحصله العقلاء ، بإجماع العلماء .
2. من شرف الزمان أن العاقل يحرص على اغتنامه إلى حال النزع والذماء
3. الاشتغال بالندم على الوقت الفائت ، تضييع للوقت الحاضر .
4. التسويف عجز وكسل .
5. اعتقاد التفرغ من الشواغل في مستقبل الأيام ، وهم وسراب .
6. إنما تضيع الأزمان بصحبة البطالين.
7. إنما تكمل العقول بترك الفضول .
8. ترويح النفس بقدره ووجهه كسب للزمان ، والقلب إذا كل عمي.
9. دوام العطاء ولو كان قليلاً ، يكون منه ما يعجز.
10. من شغل نفسه بغير المهم ضيع المهم وفوت الأهم .
11. لكل وقت ما يملؤه من العمل .
12. لله في أيام دهرنا نفحات ، فالموفق من تعرض لها .
13. من طوى منازل في منازل ، أو شك أن يفوته ما جد لأجله.
14. بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى .
وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــ
المراجع
(1) الجواب الكافي ، لابن القيم ص163