الأربعاء، أغسطس 10عباءة إسطنبولية قصة وقصيدة مؤثرة
عباءة إسطنبولية
محمد جميل جانودي
دخلت امرأة سورية محلاً لبيع العباءات في إسْطنبول، وأخذت تختار منه مجموعة من العباءات ذات المقاسات المختلفة... فرأتها امرأة تركية، وسألتها عن قصة تلك العباءات، فقالت لها: هذه عباءات أشتريها للاجئات السوريات في مخيمات اللجوء بالقرب من إنطاكية... فتأثرت المرأة التركية، وما كان منها إلا أن طلبت من البائع ثيابًا، وتوجهت إلى غرفة خاصة، وارتدتها بعد أن خلعت عباءتها وقدّمتها هدية للاجئات السوريات... وأثار ذلك الصنيع إعجاب التاجر..فسارع إلى ما لديه واختار عدة عباءات، وأنواعًا أخرى من الثياب ثم قدمها هديّة للاجئات... لم يستطع الحاضرون حبس دموعهن بعد رؤية هذا المنظر المؤثر...فغلب الجميع البكاء..
ولستُ بدعًا عن هؤلاء.. فأنا الآخر ذرفتُ دموعي تأثّرًا بالقصة.. ومنها استوحيت هذه القصيدة...
عباءة إسطنبوليّة
يا أُخْتَ إِسْطنْبُولَ أنْتِ عَـزَائي يا مَنْ غَدَوْتِ نَصِيْرَتي ورَجَـائِي
يا مَنْ وقفْتِ بجَـانِبِي في مِحْنَتِي وستَـرْتِـنِـي بِعَبَـاءَةٍ عَجْمَـاءِ
دَقّاتُ قلْبِـكِ تَشْتَكِي فِيْ لَـوْعةٍ حُزْنـًا عَـليَّ بِلَهْـفةٍ ووفــاءِ
يا منْ أزَلْتِ متاعِبي فِيْ بَسْمَـةٍ قَدْ أشْرقَتْ منْ ثَغْـرِكِ الوَضَّـاءِ
أُخْتَـاهُ أعْـلمُ أنّـنِي شـاميّـةٌ يَأبَـى سُـؤالَ الأبْعَـديْنَ إبَائـي
لكنّ نفْسيَ حدَّثَتْ عنْ حُبِّـهـا لِفَــتًى أحسَّ بكُـرْبَتِي وبِـدَائِي
متَحَـدّرًا مِنْ آلِ عُثْمَانَ انبَـرَى متَـلفّعـًا بعمامَــةٍ بيْـضَــاء
مُتوشِّحـًا بالسّيـْفِ يهتِفُ قائلاً مَا كنْـتُ عنْكِ أُخَـيّتي بالنّـائي
فلأنْتِ أُخْتِـي مُذْ تلاقَيْـنا عَلى نُـورِ الكتَـابِ وحِكْمةِ الْحُكَـمَاءِ
ولأنْتِ هاديَتِي ومنبَـعُ حِكْمـتِي في الدّيْنِ والدُّنْيا وأنْتِ ضِيــائي
عِهْـدٌ عليّ بأنْ أذودَ عنِ الحِمَى وحِمَـاكِ أولَـى، أبْشري بفِـدائي
فأثارَ، يا أخْتـاهُ، فيّ مَشَاعِـري ورأيْــتُ فيهِ أصَـالةَ الآبـَـاءِ
ورفَعْتُ رأسيَ ثم قلتُ لصُحبَتي هُوَ ذا الفَتَى...هُوَ مَنْ يُجيبُ نِدائي
يا أختَ إسْطنبولَ هلْ مِنْ فزْعَةٍ لِحبيبـةٍ نَـادتْ على اسْتحْيَــاءِ
نادتْك مِنْ وسَطِ الذئابِ، تحُوطُها لتنَــالَ منْهَـا أبْشــعَ الإيـذاء
لتحطَّ مِنْ عَلْيــائِها وإِبَــائِها وتَنَالَ مِنْ شَرَفٍ لَهَـا بعُـــوَاءِ
هجَمَـتْ عَلَيْهَا تَحْتَ ظلِ خِبائِها ومَضَتْ تعيْـثُ بساحِ كل خِبَـاءِ
(تُعْطيْكِ منْ طَرَفِ الّلسانِ حَلاوةً) وتَرُوْغُ منْـكِ كأخبثِ الخُبَثَــاءِ
إيَّـاكِ أنْ تثِقي بـهِا فَطِـبَاعُهَا تَبْقى كَطبْـع الحَيّـةِ الرّقْطَــاءِ
مَلْسـَاءُ لكنْ حيْن تلْدَغُ لا يُرَى مَلْدوغُهَا فِـيْ عَـالَمِ الأَحْيَــاءِ
مَلسَـاءُ، لكنْ حينَ تَنْفُثُ سُمَّها يَذْوِي جَمَــالُ الروضَـةِ الْغَنَّاءِ
عَهْدي بعَقْلِـكِ يا أُخيّـةُ راجِحٌ هُـوَ لا يُسـوّيْ الحُرَّ بالُّلقَطـاءِِ
كلا ولا يُـدْنِي إليهِ مُنــافِـقًا متَـلَوِّنـًا كتَـلوُّنِ الْحَـرْبَــاءِ
يا أُختَ إسْطَنْبولَ هذيْ صَرْخةٌ منْ خيمَـةٍ تَبْكِي عَـلى إيـوائي
تبْكِي على جِسْرِ الشغور ونهْرِهَا مُتَموّجـًا بالحُــلَّةِ الخَضْــرَاءِ
أضْحَتْ يَبَابًا حينَ حلّ بِسَـاحِها (شبِّيْـحَةٌ) مِنْ أجْبـنِ الجُبَنَــاءِ
إنّ الْجَبَانَ إذا تحَـكّـمَ مــرّةً بالنّـاسِ أضْحَى أحْقَـرَ الحُقَـرَاءِ
يا أُختَ إسْطَنْبُولَ إنْ نَاصرْتِني وأتى فَـتـاكِ يَـردُّني لفِنَــائي
ألْبِسْتِ تـاجًا رصّعتْـهُ أنَـامِلٌ ورديّـةٌ ونقشْتُ فيْـهِ ثَنَـــائي
وإذا اعْتذَرْتِ فإنَّ ربيَ نَاصِري في ثـَوْرتي، وإليكِ خَـيْرَ دُعَائي