أنت تعرف أمك
2Share
بقلم: عبد الحميد البلالي
شاب أصيب بشلل رباعي، فلم يبق له ما يحركه ويتحكم فيه سوى رأسه، لم ييأس، ولم يحتج على قدر ولم يقبع في زاوية من زوايا البيت كما يفعل الكثير، ولم يحسد الناس على ما آتاهم الله من النعم التي حُرم منها، ولم يستسلم لوساوس الشيطان، أو يكون أسيراً للكآبة، وضيق النفس، بل حمد الله تعالى، وتذكر أن الله قد أبقى له السمع والبصر والشم، والتذوق، واللسان، والوعي، وهذه النعم هي التي يصنع منها الإنسان نجاحه في هذه الحياة، فقرر استغلال هذه النعم، وأن يكون ممن يستثمر هذه النعم بالدعوة إلى الله تعالى، وتذكير الآخرين بهذه النعم، والانطلاق إلى عالم الإنجاز مهما كانت الخطوب. فبدأ بالتجوال في شمال البلد التي كان فيها وإلى جنوبها، وكان يركز في مواعظه على بعض النعم التي فقدها، ولا يحس بها الكثير من الناس، فكان يقول: إن لي أمنيتين؛ الأولى: أن يمنحني الله القدرة على تصحف المصحف بيدي، والثانية: أن يمنحني الله القدرة على ضم والدتي التي منحتني الكثير والكثير، ولا أستطيع حتى ضمها بيدي لأرجع لها الشيء اليسير من المعروف، وبينما كان يقول مثل هذه المواعظ لبعض مجهولي الوالدين، وإذا بأحدهم يرفع يده ليعقب، فلما أذن له بالحديث قال معقباً: إذا كنت لا تستطيع أن تضم أمك بسبب ما أصابك به الله، فعلى الأقل أنت تعرف أمك، ولكنني لا أعرف أمي، صعق هذا الأخ عندما سمع هذا التعقيب، الذي تذكر من خلاله أن هناك نعماً لا تخطر على باله، ولا يستطيع حصرها، وما ذلك الذي ذكره ذلك المعقب إلا إحدى تلك النعم التي نسيها الكثير من الناس.. وصدق الله تعالى عندما قال: ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم )18 النحل
--------------------------------------------------------------------------------