مع الفقراء ..
عدد من الناس اليوم أخلاقهم تجارية .. فالغني فقط هو الذي تكون نكته طريفة فيضحكون عند سماعها .. وأخطاؤه صغيرة .. فيتغاضون عنها ..
أما الفقراء فنكتهم ثقيلة .. يسخر بهم عند سماعها .. وأخطاؤهم جسيمة .. يصرخ بهم عند وقوعها ..
أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان عطفه على الغني والفقير سواء ..
قال أنس رضي الله عنه :
كان رجل من أهل البادية اسمه زاهر بن حرام ..
وكان ربما جاء المدينة في حاجة فيهدي للنبي صلى الله عليه و سلم من البادية شيئاً من إقط أو سمن ..
فيُجهزه رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يخرج إلى أهله بشيء من تمر ونحوه ..
وكان النبي صلى الله عليه و سلم يحبه .. وكان يقول : ( إن زاهراً باديتنا .. ونحن حاضروه ).. وكان زاهراً دميماً ..
خرج زاهر رضي الله عنه يوماً من باديته .. فأتى بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فلم يجده ..
وكان معه متاع فذهب به إلى السوق .. فلما علم به النبي صلى الله عليه و سلم مضى إلى السوق يبحث عنه ..
فأتاه فإذا هو يبيع متاعه .. والعرق يتصبب منه .. وثيابه ثياب أهل البادية بشكلها ورائحتها ..
فاحتضنه صلى الله عليه و سلم من ورائه ، وزاهر لا يُبصره .. ولا يدري من أمسكه ..
ففزع زاهر وقال : أرسلني .. من هذا ؟ ..
فسكت النبي عليه الصلاة والسلام ..
فحاول زاهر أن يتخلص من القبضة ..
وجعل يلتفت وراءه .. فرأى النبي صلى الله عليه و سلم .. فاطمأنت نفسه .. وسكن فزعه ..
وصار يُلصٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه و سلم .. حين عرفه ..
فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يمازح زاهراً .. ويصيح بالناس يقول :من يشتري العبد ؟ .. من يشتري العبد ؟ ..
فنظر زاهر في حاله .. فإذا هو فقير كسير .. لا مال .. ولا جمال ..
فقال : إذاً والله تجدني كاسداً يا رسول الله ..
فقال صلى الله عليه و سلم :
لكن عند الله لست بكاسد .. أنت عند الله غال ..
فلا عجب أن تتعلق قلوب الفقراء به صلى الله عليه و سلم وهو يملكهم بهذه الأخلاق ..
كثير من الفقراء .. قد لا يعيب على الأغنياء البخل عليه بالمال والطعام .. لكنه يجد عليهم بخلهم باللطف وحسن المعاشرة ..
وكم من فقير تبسمت في وجهه .. وأشعرته بقيمته واحترامه .. فرفع في ظلمة الليل يداً داعية .. يستنزل بها لك الرحمات من السماء ..
ورب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له .. لو أقسم على الله لأبره ..
فكن دائم البشر مع هؤلاء الضعفاء ..
إشارة ..
لعل ابتسامة في وجه فقير .. ترفعك عند الله درجات
د.محمد بن عبد الرحمن العريفي