عصمت عمر
قد يتعرض المرء في حياته لأنواع من الفشل، وربما يصيبه بحالة من الإحباط والقنوط التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها عباده المؤمنين؛ لذلك ينبغي على المسلم أن يتريث قبل أن يقنط ويراجع نفسه باحثاً عن الأسباب الحقيقية لفشله ليتجنبها مستقبلاً، ويبدأ العمل الجاد معتمداً على الله، ثم متلمساً أسباب النجاح العملية، مع رجائه لربه في تحقيق المقصود، بدلاً من اليأس الذي نهانا عنه ديننا الحنيف. نعم، إن الأمل يعدّ إكسير الحياة، ولو أن المرء اتخذه خُلقاً في حياته؛ لما وقف أمامه شيء في تحقيق ما فشل فيه، ولن يملّ بإذن الله حتى ينجح في تحقيقه، فبه تطمئن النفس في لحظات العسر والشدة، ويطمئن قلب المرء بأن فرج الله آتٍ لا محالة. وإذا أردنا ترسيخ مفهوم الأمل في الأذهان والقلوب؛ فلنتدبر آيات القرآن الكريم التي تزرع الأمل والتفاؤل في قلب المؤمن، ومنها قوله سبحانه وتعالى: ( قٍلً يّا عٌبّادٌيّ الذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ اللَّهٌ إنَّ اللَّهّ يّغًفٌرٍ الذَنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ الغّفٍورٍ الرَّحٌيمٍ )(الزمر53). وقوله تعالى: ( فّمّن كّانّ يّرًجٍو لٌقّاءّ رّبٌهٌ فّلًيّعًمّلً عّمّلاْ صّالٌحْا وّلا يٍشًرٌكً بٌعٌبّادّةٌ رّبٌهٌ أّحّدْا )(الكهف110). هي دعوة من المولى عز وجل لعباده بالأمل في عفوه ومغفرته وعدم اليأس من رحمته، ومن ينظر في حال نبي الله أيوب عليه السلام وصبره وتعلقه بالأمل في الله لا يتسرب اليأس إلي قلبه أبداً. فقد ابتلاه الله سبحانه في نفسه وماله وولده، إلا أنه لم يفقد الأمل في أن يرفع الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله؛ يقول تعالى: ( وّأّيَوبّ إذً نّادّى رّبَّهٍ أّنٌي مّسَّنٌيّ الضَرَ وأّنتّ أّرًحّمٍ الرَّاحٌمٌينّ )(الأنبياء83)، فلم يُخَيِّب الله أمله، حقق سبحانه وتعالى رجاءه، وشفاه وعافاه، وعوَّضه عما فقده. وهذا رسولنا الكريم محمد [ دعا قومه دون يأس، مع الحرص على هدايتهم، رغم ما تعرض له من إيذاء على أيديهم، وعندما جاءه ملك الجبال فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ»، فَقَالَ النَّبِيُّ [: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»(متفق عليه). ولما جاءت نبي الله إبراهيم عليه السلام البشرى بالولد على كبر أبدى تعجبه فقال: ( قّالّ أّبّشَّرًتٍمٍونٌي عّلّى أّن مَّسَّنٌيّ الكٌبّرٍ فّبٌمّ تٍبّشٌرٍونّ )(الحجر54)، فقالت الملائكة: (... بّشَّرًنّاكّ بٌالًحّقٌ فّلا تّكٍن مٌنّ القّانٌطٌينّ )(الحجر55)، قال عليه السلام: (... ومّن يّقًنّطٍ مٌن رَّحًمّةٌ رّبٌهٌ إلاَّ الضَّالَونّ )(الحجر56). ( حّتَّى إذّا اسًتّيًأّسّ الرَسٍلٍ و ّظّنَوا أّنَّهٍمً قّدً كٍذٌبٍوا جّاءّهٍمً نّصًرٍنّا فّنٍجٌيّ مّن نَّشّاءٍ وّلا يٍرّدَ بّأًسٍنّا عّنٌ القّوًمٌ المٍجًرٌمٌينّ )(يوسف110). هكذا كانت حياة الأنبياء والصالحين الذين غيّر الله بهم وجه الحياة، وخاضوا في سبيل ذلك الصعاب والمشاق بعزم صادق وقلب ثابت، مع كامل الرجاء والأمل في نصر الله سبحانه وتعالى. فليكن الأمل هو قائدنا في الحياة، ولنحذر اليأس والقنوط من رحمة الله وعفوه وتوفيقه. قال ابن مسعود ]: «أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله». وقال الشاعر: لا خير في اليأس كُلُّ الخير في الأمل أَصْلُ الشجـاعـةِ والإقدام ِفي الرَّجُـلِ وقال آخر: أُعَلِّلُ النَّفــْسَ بـالآمــال أَرْقُـبُــها ما أَضْيَقَ الْعَيْـشَ لولا فُسْحَة الأمل ومن أقوال أحد الحكماء: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنياناًً، ولا غرس غارسٌ غرساً.