أتبخل بثلاثة دنانير؟
بقلم: عبد الحميد البلالي
تخيل أن رجلاً ميسوراً وهبك مليون دينار، ثم طلب منك ثلاثة دنانير فقط، هل تبخل عليه؟ خاصة وأنت لا تملك منها في واقع الأمر فلساً واحداً، ولم يعطك هذا المليون مقابل معروف قدمته إليه، ولا عمل قمت به له، بل هكذا هبة من غير مقابل.. العاقل هو الذي لا يكتفي بثلاثة دنانير طلبها مالكها، بل يقول له: خذ إن شئت ألفاً، أو حتى مائة ألف، فأنا أصلاً لا أملكها، وهي ملكك أنت، أما الأغبياء والحمقى، هم الذين سيمتنعون عن إعطائه فلساً واحداً، ويقولون: لقد انتقلت ملكيتها لنا، وليس له الحق في شيء منها.. هذا هو واقع الكثير من الناس. فإن الله سبحانه وتعالى، ولله المثل الأعلى، فهو في حقيقة الأمر واهب الحياة لنا، وواهب الجوارح كلها، وكل ما يتحرك بداخلنا، ملكه سبحانه، بل له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما.. فإذا ما قدر المالك لنا أن يأخذ يوماً شيئاً يسيراً من ملكه، أو يعطل هذا الشيء، فلماذا نحتج، ونغضب، ونسخط، ونتأفف على أمر نحن أصلاً لا نملكه؟ أليس هذا من الحماقة والغباء؟! ومع كل ذلك فإن الله من رحمته، عندما يبتلينا، فإنه يأخذ الشيء القليل.. يقول تعالى: {$ّلّنّبًلٍوّنَّكٍم بٌشّيًءُ مٌَنّ پًخّوًفٌ $ّالًجٍوعٌ $ّنّقًصُ مٌَنّ الأّّمًوّالٌ $ّالأّّنفٍسٌ $ّالثَّمّرّاتٌ $ّبّشٌَرٌ پصَّابٌرٌينّ >155<}(البقرة). فقال: بشيء، والشيء جزء صغير من الكل، ثم بشّر الفطن، المتذكر أنه لا يملك في حقيقة الأمر من نفسه شيئاً، فكل ما يأخذ الله منه، يشكر، ويرضى، لأنه يبقى أضعاف أضعاف ما يأخذ.. فقال: {پَّذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا إنَّا لٌلَّهٌ $ّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ >156< أٍوًلّئٌكّ عّلّيًهٌمً صّلّوّاتِ مٌَن رَّبٌَهٌمً $ّرّحًمّةِ $ّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ پًمٍهًتّدٍونّ >157<}(البقرة). فهم لم ينسوا أبداً حقيقة الملك؛ فقالوا حين وقوع المصيبة، تأدباً مع مالكهم: «إنا لله وإنا إليه راجعون»