عبيـد المـال
هذه قصص واقعيـة لعبيـد المـال أذكـرها لَكُنَّ أخواتى من كتاب [صيـد الخـاطـر] للإمام ابن الجـوزى رحمه الله تعالى:
يقول ابن الجوزى:
حَدَّثنى أبو الحسن الراندسى قال:
مرض رجلٌ عندنا ، فبعث إلىَّ فحضرتُ فقال: قد ختم القاضى على مالى ، فقلتُ: إنْ شئتَ قُمتُ وفتحتُ الختم وأعطيتك الثُلُث تُفَرِّقه وتعمل به ما تشاء0
فقال: لا واللهِ ما أريد أن أُفَرِّقه ، بل أريد مالى يكونُ عندى ، فقلتُ: ما يُعطونك ، وأنا آخذ لك الثُلُث كى تكون حُرَّاً فيه0 فقال: لا أريد ، قال: فمات وأُخِذ مالُه0
قال:
وجاء رجلٌ فحَدَّثنى بعجيبة ، قال: مرضت حماتى فقالت لى: أريدُ أن تشترى لى خبيصاً ، فاشتريتُ لها ، وكانت مُلقاه فى صُفَّة ، ونحنُ فى صُفَّةٍ أخرى0
فجاءنى ولدى الصغير وقال: يا سيدى ، إنها تبلع الذهب ، فقمتُ وإذا بها تجعل الدينار فى شئٍ من الخبيص فتبلعه0 فأمسكتُ يدها وزجرتها عن هذا0
فقالت: أنا أخاف أن تتزوج على ابنتى ، فقلتُ: ما أفعل ، فقالت: احلف لى ، فحلفت ، فأعطتنى باقى الذهب ، ثم ماتت فدفنتها0
فلما كان بعد أشهر مات لنا طفلٌ ، فحملناه إليها ، وأخذتُ معى خِرقةً خام ، وقلتُ للحَفَّار: اجمع لى عظام تلك العجوز فى الخِرقة ، فجئتُ بها إلى البيت ، وتركتها فى أجانة وصببت عليها الماء وحَرَّكتُها ، فأخرجتُ ثمانين ديناراً أو نحوها كانت قد ابتلعتها0
وحكى لى صديقٌ لنا:
أنَّ رجلاً مات ودُفِن فى الدار ، ثم نُبِشَ بعد مُدَّة ليخرج ، فوجد تحت رأسه لبنة مُقَيَّرة0
فسُئِل أهله عنها فقالوا: هو قَيَّر هذه اللبنة وأوصى أن تُترك تحت رأسه فى قبره ، وقال: إن اللبن يبلى سريعاً ، وهذه لموضع القار لا تبلى0
فأخذوها فوجدوها رزينة ، فكسرها فوجدوا فيها تسعمائة دينار ، فتولاها أصحاب الترِكات0
وبلغنى
أنَّ رجلاً كان يكنس المساجد ويجمع ترابها ، ثم ضربه لبناً ، فقيل له: هذا لأىِّ شئ؟ فقال: هذا ترابٌ مبارك ، وأريد أن يجعلوه على لحدى ، فلما مات جُعِلَ على لحده ، ففضل منه لبنات ، فرموها فى البيت ، فجاء المطر فتفسخت اللبنات فإذا فيها دنانير0
فمضوا وكشفوا اللبن عن لحده وكله مملوء دنانير0
وحَدَّثنى بعضُ أصحابنا عن حالةٍ شاهدها من هذا الفن0 قال:
كان فلانٌ له ولدان ذكران وبنت وله ألف دينار مدفونة0 فمرض مرضاً شديداً فاحتوشته أهله ، فقال لأحد ابنيه: لا تبرح من عندى0 فلما خلا به قال له: إن أخاك مشغولٌ باللعب بالطيور ، وإن أختك لها زوجٌ تركىّ ، ومتى وصل من مالى إليهما شئٌ أنفقوه فى اللعب ، وأنتَ على سِيرتى وأخلاقى ، ولى فى الموضع الفلانى ألف دينار ، فإذا أنا مِتُّ فخُذها وحدك0
فاشتد بالرجل المرض فمضى الولد فأخذ المال فعُوفِىَ الأب ، فجعل يسأل الولد أن يرد المال إليه فلا يفعل ، فمرض الولد فأشفى فجعل الأب يتضرع إليه ويقول: ويحك خصصتك بالمـال دونهم فتموت فيذهب المال ، ويحك لا تفعل ، فما زال به حتى أخبره بمكانه ، فأخذه ثم عُوفى الولد ، ومضت مُدَّة فمرض الأب ، فاجتهد الولد أن يخبره بمكان المال وبالغ فلم يخبره ومات وضاع المال0
فسبحان مَن أعدم هؤلاء العقول والفهوم ، (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان:44]0