فن بناء خيال الطفل
شيماء نعمان | 30/4/1432 هـ
قد لا ينتبه الوالدان إلى ملكة التخيل التي تنمو في وجدان الطفل كما ينمو جسده؛ فخيال الطفل في أهميته لا يقل عن العلوم المختلفة التي يجتهد الأم والأب في رفع قدرة استيعاب طفلهما لها. ويرى بعض الخبراء أن الأفكار التخيلية التي قد يفاجئك ابنك أو ابنتك بها من ألعاب وتصرفات- يراها البعض تافهة أو سخيفة أو لا معنى لها- هي عامل مساعد قوي في تنمية العديد من مهارات التعلم الكامنة لديه؛ فهي ليست للتسلية فقط ولكنها تتيح للأطفال ممارسة الأنشطة اليومية التي يرون الكبار من حولهم يقومون بها وتقليدها.
ولنا في رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قدوة حسنة فهو لم يزجر طفلاً أو يُشعره ببساطة عقله وقلة إدراكه؛ ولكنه كان كثيرًَا ما يشارك الأطفال لهوهم ولعبهم البريء النقي؛ ولا غرو أن أساليبه التربوية تلك قد أفرزت أجيالاً حملت رسالة الإسلام على عاتقها لعقود طويلة وأنارت الدنيا بعلمها وفضلها وأخلاقها الإسلامية.
يقول أنس (رضي الله عنه): "كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس خُلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عُمَيْر، وكان له طير يلعب به، فكان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا جاء قال: يا أبا عمير، ما فعل النُّغَيْر؟"؛ وهو سؤال فيه مودة ودعابة واهتمام ومشاركة للصغير فيما يحب.
إذن كيف يكون تعريف الخيال؟
الخيال هو القدرة على تكوين صور وأحداث وأحاسيس وتصورات خيالية في وقت لا تتواجد فيه هذه الأشياء في إطار الواقع الملموس.
وقد أكدت دراسات شتى للكثير من خبراء التربية على قدرة الخيال على تنمية ذكاء ومهارات الطفل؛ فالخبيرة التربوية "هيلين نيفيل" وجدت من خلال متابعتها لمراحل نمو الخيال لدى الأطفال أنهم في مرحلة معينة يحاولون تقليد المحيطين بهم (مثل الأب والأم والأخوة والمعلمين)؛ كأن يحاول الطفل استخدام لعبة التليفون والتظاهر بأنه يتحدث هاتفيًا مع صديق له ويناقشه في أمر ما، أو يؤنب دميته على خطأ تخيلي لم يحدث متقمصًا في ذلك الأسلوب الذي يتبعه والديه معه في توجيه سلوكه؛ ليس ذلك فحسب بل إنه قد يلجأ أيضًا لتأليف حكايات أو رواية أحلام لم يرها للفت نظر والديه إلى أشياء معينة يفكر بها أو أشياء أخرى يتطلع إليها ويريد الحصول عليها.
ولكن أي نوع من الخيال يجب أن تحرص الأسرة المسلمة على أن تغرسه وترويه وتحفزه في نفوس أطفالها؛ هل هو خيال مغامرات سوبرمان وباتمان ذوي القدرات الخارقة، أم الخيال النوراني الذي تنمو براعمه لتحقق الأمجاد؟
ألم يكن رفع راية الإسلام أملاً متوهجًا في عيون عبد الله بن عمر وزيد بن حارثة وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم الكثيرين من أعظم أبطال حضارة الإسلام، ألم يكن ذلك أملاً متغلغلاً في أعماق قلوبهم نما وكبر معهم على مدار سنوات عمرهم منذ نعومة أظافرهم؟
الخيال الغربي والخيال في الإسلام
من الطبيعي أن يرتبط الخيال بمكونات الواقع والثقافة السائدة، وبناء على ذلك فالخلفيات الثقافية لشخصيات من نوع سوبرمان وهاري بوتر ليست هي الخلفيات العربية الإسلامية ولكنها هوية ثقافية مغايرة وهذا ليس عيبًا في حد ذاته لأن الإطلاع على حضارة الآخر أمر هام ونافع للتفاعل الإنساني؛ ولكن الخطأ الحقيقي هو تبني تلك الشخصيات واعتبارها نماذج للعدل والبطولة ونصرة الخير. فنرى أن هاري بوتر على سبيل المثال يعتمد في سعيه لمواجهة الشر على قدراته السحرية، بينما يعتمد سوبرمان على قدراته الخارقة. والحقيقة أن النموذجين ضررهما أكبر من نفعهما حيث أنهما يشحذان خيال الطفل بمكونات تفتقر إلى الأساس المنطقي ومن ثم تتنامي لدى الطفل بعض الأفكار الشاة كالتخلي عن الأسرة أو الاستهانة بتعليمات الوالدين؛ وبل وربما الاعتماد على مبدأ القوة الزائدة والعنف في التعامل مع الآخرين
.
ولا تفتأ أن تطالعنا الصحف من وقت إلى آخر بحكايات مأساوية عن طفل أو طفلة تأثروا بما شاهدوه من قصص أبطال خارقين للعادة؛ فما كان منهم إلا أن حاولوا تقليدها لتنهي حياتهم بمأساة، والأمثلة كثيرة أذكر منها الطفل الذي شنق نفسه ليقلد بطلاً لأحد الأفلام الأجنبية!
طفلك وخيال الجنة
إن الأهمية التي يمثلها خيال الطفل وإمكانيات هذه الملكة الربانية في تحفيز القدرات الذهنية للأطفال، يجعلنا نؤكد على أهمية توجيه الوالدين نحو ممارسة رقابة الانتقاء على ما يتابعه أطفالهم من مسلسلات أو أفلام أو برامج؛ فربما كان بينها ما يمكن أن يغرس مفاهيم تأباها الشريعة الإسلامية مثل الاعتماد على قوة السحر أو البطولة الخارقة التي يصعب أن تتواجد لدى الشخص العادي.
بتفعيل مثل ذلك الانتقاء سيتجه القائمين على برامج الطفل ومن بينهم أساتذة التربية المتخصصين بتنفيذ خطط تثقيفية شيقة وجذابة للطفل تعتمد على تحفيز خياله بأمل الجنة وما فيها من نعيم وأنهار وما إلى ذلك من مفردات السعادة الربانية التي ينتظرها المؤمنون في الجنة.
فتقديم النماذج الناجحة والعظيمة التي بذلت العطاء واجتهدت في العمل من أجل هدف جليل، سيؤدي بخيال الطفل إلى التفكير والتطلع لبلوغ ما حققه هؤلاء الأبطال، الذين لم يكن يميزهم سوى إيمان راسخ بالله ورغبة صادقة في تحقيق أهدافهم النبيلة. والنماذج في تراثنا أكثر مما يمكن حصره، فها هو صلاح الدين الأيوبي الفارس الشجاع محرر بيت المقدس يربيه الملك العادل "نور الدين محمود" ليكون له بمنزلة الوالد والمعلِّم ويغرس فيه من القيم والعلم والأخلاق ما جعله في شبابه محط احترام وتقدير من أعدائه قبل أصدقائه.
ومنذ بدء دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يؤسس لمدرسة العمل والاجتهاد والتوكل على الله؛ ويذكّر أصحابه بالوعد الحق وأهمية إصلاح القلوب التي هي مهد العمل؛ فنجده في حديثه الشريف يقول: إن في المدينة رجالاً ما سلكتم واديًا ولا قطعتم شعبًا إلا كانوا معكم ) أي شاركوكم في الأجر ( قالوا : كيف وهم في المدينة ؟ قال : حبسهم العذر".
فهاهي الجنة وملائكتها يقتربون بالأعمال الصالحة، فما أجمل من غرس تلك القيم في نفس النشء الصغير، وما أجمل أن يستشعر الطفل عظم بر الوالدين وأهمية الصلاة وحلاوة الصدقة، وغير ذلك من القيم الإيمانية.
إذن كيف يمكن تربية الخيال المثمر؟
إن بناء الخيال المثمر النافع يرتكز على أساسين هامين وهما:
أولاً: خيال قوة العقيدة الإيمانية ، والاعتماد على القدرات الحقيقية والمنطقية لتحقيق الأهداف؛ أي الاعتماد على الأمل وليس الأماني.
ثانيًا: الاهتمام بتسليط الضوء على القصص الواقعي الذي ورد بالقرآن الكريم، والاهتمام بتجسيد بطولات الصحابة والفاتحين والعلماء والنماذج الناجحة.
بناء الخيال الهادف ودور المربين
خيال الطفل بالرغم من بساطته إلا أنه مركب من جزيئات كثيرة تساهم في تشكيلها الحياة التي يعيشها الطفل والمواقف والشخصيات التي يمر بها وتؤثر فيه أو حتى المهارات المختلفة التي يكتسبها؛ فما هو دور المربون في تهذيب ذلك الخيال المفتوح؟
الحقيقة أن دور الوالدين هو حجر الزاوية في تنشيط خيال الطفل وتحفيزه عن طريق إيجاد علاقات منطقية تربط خياله الجسور بمعطيات الواقع ومن ثم تنميه شعوره بالأهمية والمسئولية في نفس الوقت. فيمكن للوالدين والمعلمين أن يغرسوا في قلب الطفل روح الانتماء للأسرة والوطن ويعلوا من قيم تحديد الهدف وتحقيق الإنجاز.
أيضًا عودة الاهتمام بالتقليد القديم المتمثل في قصص قبل النوم لما لها من تأثير نفسي كبير على الطفل؛ حيث تبني القصص السعيدة ذات الأهداف خيالاً خصبًا وتشكل روحًا من الإرادة تتنامى بمرور الوقت.
كذلك يمكن تشجيع الطفل على ممارسة القراءة وذلك بأن يقرأ له والديه القصص المصورة التي تحفز عقله على إطلاق التساؤلات ليزداد إدراكه ووعيه ومهاراته.