الحمد لله مُوقِظ القلوب الغافلة، بالتذكير والوعظ، المتفرِّد بتَصرِيف الأحوال والإِبرام والنقض، المطَّلع على خلقه فلا يَخفَى عليه مثقال ذرَّة في السماوات والأرض؛ ولذلك حذَّر عباده من هول الموقف يوم العرض؛ ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18].
أحمَدُه - سبحانه - على نِعَمِه التامَّات السابِغات، وأسأَلُه - تعالى - للجميع الوقاية من السيِّئات، والتوفيق للصالحات من أعمال اللسان والحواس والجوارح والنيَّات، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، شهادةً أرجو بها النجاة من العذاب الشديد، يوم لا تَكَلَّم نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقيٌّ وسعيد.
وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي دعا إلى الإخلاص لله في التوحيد، والبراءة من الشرك والتنديد، وجاهَد في الله حقَّ جِهاده، حتى استَقامت الأمَّة على دين الله الحقِّ على رغْم أنْف كلِّ مُشرِكٍ عنيد، وكلِّ كارِهٍ حاسد من كتابِيٍّ أو مُنافِق بليد.
صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه، الذين طَهَّرَ الله بجهادهم البلادَ من شرْك الوثنيَّة، وبغْي اليهوديَّة، وضَلال النصرانيَّة، وكل منكر وفساد، فرَضِي الله عنهم وأرضاهم، ووعَدَهم كلَّ خيرٍ، وأثنى عليهم بكلِّ وصف جميل، وعملٍ صالح جليل، وجعَلَهم أئمَّة الناس والشُّهَداء عليهم في الدنيا ويوم المعاد، أمَّا بعد:
أيُّها الناس:
تُوبُوا إلى الله قبل أنْ تموتوا، وبادِرُوا بالأعمال الصالحة قبلَ أنْ تُشغَلوا، وصِلُوا ما بينكم وبين ربكم بكثْرة ذكركم له تَسعَدوا، وأَكثِروا من الصدقة تُرزَقوا، وأمُروا بالمعروف تخصبوا، وانهوا عن المنكر تُنصَروا، ولا تستَعمِلوا جوارح غذيت بنِعَم الله في التعرُّض لسخط الله بمعصيته، ولا تشتَغِلوا بأموالكم بما فيه ظلمُ عبادِه ومحاربته، واجعَلُوا شغلَكم بالتِماس مغفرته، واصرفوا همَّكم بالتقرُّب إليه بطاعته، وإيَّاكم ومحقرات الذنوب، فإنَّ لها من الله طالبًا، وإنهنَّ يجتمعنَ على المرء فيُهلِكنه.
أيها المسلمون:
اتَّقوا الله ربَّكم وأَطِيعُوه، وامتَثِلوا أمرَه ولا تعصوه، واقتفوا أثرَ نبيِّكم محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جميع أموركم وسائر أحوالكم واتَّبِعوه، فإنَّكم إنْ فعلتُم ذلك رجوتُم ألاَّ تُصابُوا بشيءٍ تكرَهُونه، وإنْ خالَفتُموه فقد تُعاقَبون بما لا تُطِيقونه، فآمِنُوا بالله وتَوَكَّلوا عليه في جميع الأمور، وأَحسِنوا الظنَّ به وتضرَّعوا إليه يَدفَع عنكم الشُّرور؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]، ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، ومَن ضرع إليه مضطرًا زالَ كربُه.