العود والبخور من عادات أهل الخليج الأصيلة
يعتبر العود من سمات البيت والشخصية الخليجية، وله مكانة خاصة حرص عليها أهل الخليج وتمسكوا بها لأنها تمثل أساس كرم الضيافة الخليجية التي توارثها المواطن الخليجي، ،والعود بمعناه اللغوي هو من الطيب يتبخر به بعد أن يقطع الغصن، والجمع عيدان وأعواد ويستعمل العود الرجال والنساء على السواء في العديد من المناسبات، منها الأعياد وحفلات الزواج والولائم والعزاء وأيام شهر رمضان المبارك وأيام الجمعة،
وفي جميع المناسبات يوضع العود على الفحم في مدخن، يحترق وتنتشر له رائحة الدخان العطرة، ويتم عادة تدخين الضيوف بعد تقديم الطعام وصب القهوة، ويتم تطييب الضيوف أولاً وثم يرش فأي ياديهم ماء الورد الموضوع في المرش والذي هو عبارة عن أداة نحاسية طويلة الرقبة دائرية القاعدة يوضع بداخلها ماء الورد وبعد ذلك يقدم العود في المدخن للدخون،
والذي يقدم العود في المدخن للضيوف في المناسبات ففي اغلب الأحيان يقوم بهذه المهمة مخصص وهو صباب القهوة، أو يكون أحد أفراد الأسرة، أما صاحب البيت فمن الواجب أن يقوم بهذه المهمة لولا الاستعانة بصباب القهوة أحياناً، ولتقديم المدخن يكون في الحالتين الأولى:
في حالة وجود شخص كبير في السن، يقدم له المدخن أولاً، وفي الحالة الثانية أن يبدأ حامل المدخن بأول شخص من الجالسين من الناحية اليمين، ويستثنى من ذلك صغار السن، وفي أغلب الأحيان يدور المدخن على الضيوف ما بين مرتين إلى ثلاث مرات وبذلك تظل رائحة العود عالقة بالثياب والغتر والبشوت مدة طويلة، ويمكن في بعض الحالات أن يكون عدد الحضور كبيراً فيقدم العود للجميع سواء كانوا جالسين أو واقفين إذا كان المكان لا يتسع لجلوس الجميع، وتوجد طريقة أخرى لاستعمال العود وهي قاصرة على أهل البيت فقط بأن يوضع المدخن تحت الأقدام لتبخير الثياب، والمدخن هنا هو عبارة عن إناء مربع الشكل مجوف يقوم على أربعة قوائم ترتكز على قاعدة مربعة، ويكسى المدخن بصفيحة معدنية من الداخل لحمايته من تأثير النار،
وقد كان المدخن يصنع من الجص والفخار وبعد ذلك أصبح يصنع من المعدن والخشب، وتستورد الآن المداخن من دول عديدة عربية وآسيوية بعد أن تعددت استخداماته وتوقفت صناعته التقليدية، وللعود أدوات وأماكن لحفظة إذ يعتبر من الأشياء الثمينة لذا يحفظ في خزائن وحقائب خاصة، ولا يتم تعريضه للشمس أو الهواء حتى لا يفسد وتختلف قوة رائحة العود تبعا للمكان الذي توجد فيه شجرة فإذا كانت الشجرة على راس جبل كانت الرائحة قوية وإذا كانت في السفح تكون الرائحة بسيطة، وأما إذا كانت في سطح الأرض فهي عادية وكان أهل الخليج ممن يحتفظون بالعود في مطابق ومفردها مطبقة وهي أوعية بأغطية تستعمل لحفظ خشب العود والبخور، والعود
يستخلص من شجرة لا يزيد ارتفاعها عن خمسة أمتار وتعمر شجرة العود إلى أكثر من أربعين إلى خمسين سنة، وعندما تكون شجرة العود سليمة تكون أخشابها بيضاء اللون لا رائحة فيها وإذا أصابها المرض يتغير لون الخشب إلى الأسود تقريبا ويوجد بداخل جذع الشجرة،
ويحتل العود الهندي المرتبة الأولى من حيث الجودة والرائحة العطرة وقد قل حاليا وجود العود الهندي كثيرا لكثرة الطلب علية وارتفاع ثمنه ويأتي في المرتبة الثانية أو المرتبة الموازية للعود الهندي العود الكمبودي الذي يمتاز برائحته العطرة وثقله ومتانته وعود لاوس يمتاز أيضا بقوة الرائحة وطول مدة بقائة في الملابس ،وبعد ذلك تشتهر دول آسيوية عديدة بنوعيات جيدة من العود ولكنها اقل جودة من العود الهندي والكمبودي،
ويقال أن اكتشاف العود الكمبودي قد جاء بالمصادفة البحتة وتقول الرواية أن العرب كانوا يجولون بسفنهم الشراعية في عدة موانئ بقصد التجارة وفي أحدى تلك الرحلات البحرية المتجهة نحو السواحل الكمبودية تحطمت إحدى السفن الشراعية بسبب اصطدامها بالصخور وغرقت وتمكن بعض البحارة من النجاة بأنفسهم وسبحوا نحو الساحل المليء بالأشجار الكثيفة وبدأو رحلة الكفاح من اجل الحياة لذا قاموا باصطياد الحيوانات والطيور والأسماك وجمعوا الأخشاب للطهي، ولاحظوا أن بعض تلك الأخشاب عند حرقها تتميز برائحة عطرة ونفاذة وبذلك يكون هؤلاء البحارة هو أول من اكتشف العود الكمبودي الذي أصبح بديلا للعود الهندي وأن أسعار العود بشكل عام تتفاوت حسب درجتة ونوعة ويوزن العود بالكيلو جرام والتولة وهي وحدة وزن هندية تستعمل في وزن العطور والأشياء الثمينة وتحرص جميع فئات المجتمع على اقتناء العود دون استثناء وذلك حسب القدرة المالية لشرائه،
ويمكن تمييز العود الجيد من الرديئ بوزنه وشمه مع ملاحظة درجة لمعانه ولون دخانه الأزرق، ولصعوبة التأكد من ذلك فإنه وفي مرات كثيرة يكون العود مغشوشاً ولا يصل الشخص لذلك من الوهلة الأولى إلا حين يحترق العود، وهناك طرق عديدة ومتنوعة لغش العود ومنها وضع خشب العود مع مادة الشمع في آلة ويتم تدويرها وتحريكها باستمرار فترة زمنية حتى يذوب الشمع وبذلك يكون العود لامعاً وبراقاً،
ومن مشتقات خشب العود دهن العود، ويستخرج على هيئة سائل يميل لونه إلى اللون الأسود، ويتميز دهن العود برائحتة النفاذة القوية التي تميزة عن سائر أنواع العطور، ويعتبر دهن العود من الأطياب المحببة إلى النفوس والأكثر انتشاراً في المجتمع الخليجي رجالاً ونساء، وهو من الأطياب الشخصية للفرد ويستعمل بشكل دائم بصرف النظر عن نوع المناسبة،
ثم نأتي إلى البخور والذي يعتبر من أنواع العطور وقد اهتم به أهل الخليج، وخاصة النساء حيث أن للبخور مكانةً خاصةً يحافظ عليها المجتمع، ولا يقدم البخور للضيف أبداً بل يقتصر استعماله على أهل البيت وفي تبخير ملابس النساء والأطفال وأجواء المنزل والغرف، وللبخور أنواع منها ما هو محضر من بقايا أعواد العود المخلوط بالمسك أو غيره من الأطياب الجافة والسائلة،
كما يستعمل البخور كعلاج شعبي لدرئ العين الحاسدة، خاصة النوع المخلوط مع الشبّة، وهو نبات شائك له ورد لونه احمر ومع السويدة، وهي الحبة السوداء أو حبة البركة وعلك اللبان، وكان يصنع ويعد البخور قديماً في المنازل، وكانت النساء يقمن بهذه المهمة بعد تجميع أعواد وفتات خشب العود ثم دقها وطحنها ثم مزجها مع الماء والسكر حتى يزيد تماسكها ثم تضاف إليها العطورات الجيدة والمركزة، ثم يتم تكوير خليط البخور إلى كور صغيرة في راحة اليد ثم يوضع البخور في أوعية معدنية مسطحة تسمى صوان وتترك في الشمس لكي يجف ما بها من بخور وبهذا يكون البخور جاهزاً للاستعمال،
ومن أدوات البخور: المبخر وهو الأداة الرئيسية الهامة في استعمال البخور ويكون أصغر حجما ًمن حجم المدخن وله حلقة للإمساك به ،والمدخن لا يستعمل للبخور ولا يستعمل المبخر للعود، ويصنع المبخر من الخشب والجير والنحاس ولا تستخدم النقوش والتشكيلات الزخرفية في المبخر كثيراً،
والمبخرة أداة تستعمل لتبخير الثياب ويقتصر استعمال المبخرة بأن توضع الملابس والأغطية عليها، وتتكون المبخرة من شكلٍ هرميٍ بارتفاع 80 سنم تقريباً، ولها أربع قوائم تربطها ببعضها أعمدة متشابكة من الخشب، ويتم وضع المبخر تحت المبخرة ويتسرب دخان البخور من خلال التدرج الخشبي المفتوح بين كل خشبة وأخرى من جميع الجهات،
والمبخرة لا تقدم للضيوف أبدا وإنما يستعملها أهل البيت ولا يخلو منزل خليجي من وجود المبخرة، ولا يمكن الاستغناء عنها خصوصا ما بين كبيرات السن من النساء
وهناك مثل شعبي لقيمة العود وهو "ما عقب العود قعود"، ويضرب في انتهاء الضيافة فيقدم العود كآخر مرحلة من مراحل الضيافة،