طـــرائــف من حياة الجــــــاحظ

طرائف من حياة الجاحظ

الجاحظ هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، و لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه.
ولد في البصرة بالعراق، و نشأ يتيما" فقيرا"، لكنه كان ميالا" لأخذ العلم، فأخذ يذهب إلى المساجد و منازل العلماء، و إلى سوق المربد، ليتلقى العلم و المعرفة عن بلغاء العرب و شيوخهم، وكان محبا" للقراءة، ويقال أنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته، كائنا" ما كان، حتى أنه كان يستأجر دكاكين الوراقين و يبيت فيها للقراءة.
كان الجاحظ دميما" و ظريفا"، حلو الحديث و صاحب نكتة، حتى على نفسه.ومما يروي عنه أنه في أحد الأيام كانت هناك امرأة تشكو عدم نوم أطفالها ليلا"، و دائما" يسببون إزعاجا" لها و للجيران، فاضطرت للذهاب إلى صانع الحلي لكي يصوغ لها خاتما"مخيفا" لكي تخيف به أطفالها ليناموا و تتخلص من إزعاجهم المستمر، و لكن الصائغ اعتذر لها لأنه لا يعرف الشكل الذي تريد المرأة أن يرسمه على الخاتم.
و بعد أن يئست المرأة من ذلك، خرجت من عند الصائغ غاضبة، و بينما هي تمشي في السوق رأت الجاحظ، فأخذته من يده و انطلقت إلى الصائغ ثم قالت بلهفة: مثل هذا.
و ولت مسرعة تاركة الجاحظ أمام الصائغ، فاندهش الجاحظ من الموقف، فاستفسر من الصائغ حقيقة الأمر، فأخبره بقصة المرأة، فاستغرب الجاحظ من قصتها وانطلق إلى حال سبيله.
ومن الطرائف المثيرة التي حدثت له في بدايات عهده بالكتابة مع ما كان عليه الجاحظ من الحاجة إلى المال، فقد لجأ إلى حيلة تنجيه من عذاب الفقر و آلامه. حيث صار يعالج كتاباته لتبدو قديمة بالتراب و الرماد ووهج النار، ثم يقدمها إلى الوراقين على أنها من تأليف ابن المقفع، أو سهل بن هارون، و يزعم أنها نسخة نادرة و فريدة، و أنه عثر عليها أو اشتراها خلال أسفاره في البلدان.
وجاز الخداع على الوراقين، فاشتروها بما يرضيه من المال.
لكن الخدعة لم تدم طويلا"، فقد أنكر سهل بن هارون، من بغداد، نسبة ما نسب إليه من كتابات، و أصبح الجاحظ حديث البصرة بفعلته، بل حديث العراق بأسره.
واستنكر الكل ما فعله، ثم تحول الاستنكار إلى إعجاب ببراعة الجاحظ و سرعان ما التمس له الناس الأعذار لحاجته إلى المال، وبدا لهم في النهاية كاتبا" لا نظير له، و أقبل الوراقون عليه يطلبون كتاباته، التي استهانوا بها أول الأمر.
وراح الأدباء يتحدثون عن براعة فنه في الكتابة .
ومن طرائف الجاحظ كذلك ما حكي عنه أنه كان في أحد الأيام متوجها" إلى اليمن، و دخل أسواقها و تجول في الكثير من أحيائها، و لكنه وجد الناس ينفرون منه لبشاعة شكله، و لم يستضيفه أحد، فقرر العودة إلى البصرة، و في الطريق قابل أحد رفاقه، فسأله: كيف حال اليمن و أهلها؟
فأجاب الجاحظ ببيتين من الشعر عبرا عن شعوره أصدق تعبير:
منذ أن أتيت اليمنا لم أر وجها" حسنا
قبــــح الله بــــلـدة أجمل من فيها أنـــا 

ولموت الجاحظ قصة ، فقد بلغ من الكبر عتيا"، و اشتعل منه الرأس شيبا"، إلا أنه كان ما زال محبا" للقراءة، مصرا" على السهر ليلا"، مكبا" على أمهات الكتب العربية، حتى نهض متثاقلا" إلى أحد الكتب على إحدى الرفوف، فسقط الرف على رأس الجاحظ، الذي سقط بدوره على الأرض فاقدا" الوعي ولافظا" آخر أنفاسه بين أعز رفاق له: الكتب.
فمات الجاحظ شهيدا" للمعرفة، و لم يبق من حديث أهل البصرة إلا عن فضل الجاحظ و علمه، وفكره، و أدبه، و ودعوه إلى مثواه الأخير.
وفرغ الوراقون لتصنيف كتب الجاحظ، التي بلغ عددها 350 كتابا" و رسالة في الفلسفة، و الأدب، والاعتزال، والسياسة، والاقتصاد، والتاريخ، و الجغرافيا، و الطبيعيات، و الرياضيات، والعصبية، و تأثير البيئة، و الاجتماع، و الأخلاق، و الحيوان.
وفي ذروة مؤلفاته كانت كتبه الخالدة:
- البيان و التبيين
- الحيوان
- البخلاء
- المحاسن و الأضداد
رحم الله الجاحظ رحمة واسعة، و نفعنا بعلمه.