الله خلق الكون...فمن خلق الله...؟!
لطالما أرق هذا الوسواس الكثير من المسلمين
وقد نجح ابليس بأن يشككهم في إيمانهم
فأضحى إيمانهم ضعيفا فخسروا الإيمان وخسروا حلاوته
ولقد أفاد ابن الجوزي رحمه الله في مثل هذه النقطة في كتابه
تلبيس ابليس
فأحببت وضع ما قاله في مثل هذا الموضوع
يقول العلامة ابن الجوزي رحمه الله في الباب الثالث:
((اعلم أن الآدمي لما خلق ركب فيه الهوى والشهوة ليجتلب بذلك ما ينفعه,
ووضع فيه الغضب ليدفع ما يؤذيه, وأعطى العقل كالمؤدب يأمره بالعدل فيما يجتلب ويجتنب,
وخلق الشيطان محرضا له على الإسراف في اجتلابه واجتنابه,
فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم عليه السلام,
وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني آدم.
وقد أمر الله تعالى بالحذر منه فقال:
"لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين, إنما يأمركم بالفحشاء وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون"
وقال:"ويريد الشيطان أن يضلكم ضلالا بعيدا"
وقال:"إنه عدو مضل مبين"
وقال:"إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير"
وقال:"ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين"
وفي القرآن من هذا كثير ))
إلى أن قال:
((أنبأنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي، قال:أخبرنا عاصم بن الحسن، قال:أخبرنا
أبو الحسين بن بشران، قال: أنبأنا ابن صفوان، قال:أنبأنا أبو بكر القرشي، قال:حدثني
أبو سلامة المخزومي قال:حدثنا ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
[ إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول:من خلقك...؟ فيقول: الله تبارك وتعالى
فيقول: فمن خلق الله...؟ فإذا وجد احدكم ذلك فليقل:آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب
عنه]
وحكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟
قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده.
قال: هذا يطول؟ قال: أرايت لو مررت بغنم ينبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟
قال: أكابده وأرده جهدي قال: هذا يطول عليك؟ لكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك
واعلم أن مثل إبليس مع المتقي والخلط كرجل جالس بين يديه طعام, فمر به كلب فقال له اخسأ
فذهب فمر بآخر بين يديه طعام ولحم فكلما أحساه لم يبرح, فالأول مثل المتقي يمر به الشيطان
فيكفيه في طرده الذكر والثاني مثل المخلط لا يفارقه الشيطان لمكان تخليطه.))
إلى أن قال في الباب الرابع:
((واعلم أن القلب كالحصن ،وعلى ذلك الحصن سور ،وللسور أبواب وفيه ثلم ،
وساكنه العقل ،والملائكة تتردد على ذلك الحصن ،وإلى جانبه ربض فيه الهوى ،
والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع ،والحرب قائمة بين أهل الحصن وأهل الربض
،والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم .
فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه وجميع الثلم ،
وألا يفتر عن الحراسة لحظة ،فإن العدو لا يفتر .
قال رجل للحسن البصري :أينام إبليس ؟ قال :لو نام لوجدنا راحة .
وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالإيمان،وفيه مرآة صقيلة يتراءى فيها صورة كل ما يمُّر به ،
فأول ما يفعل الشيطان في الربض هو إكثار الدخان ،فتسودّ حيطان الحصن ،وتصدأ المرآة ،
وكمال الفكر برد الدخان ،وصقل الذكر يخلو المرآة ،وللعدو حملات ،
فتارة يحمل فيدخل الحصن ،فيكر عليه الحارس فيخرج ،وربما دخل فعاث ،
وربما أقام لغفلة الحراس ،وربما ركدت الريح الطاردة للدخان ،فتسود حيطان الحصن ،
وتصدأ المرآة فيمر الشيطان ولايدري به ،وربما جرح الحارس لغفلته ،
وأسر واستخدم ،وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته )).
انتهى كلامه رحمه الله
أقـــــــــــــول:
فيامن أشغل نفسه بهذه الوساوس وأبعد عنه نور الإيمان وأخرج حلاوته من جوفه
أما آن لك أن ترده إليك فتعود مؤمنا قوي الإيمان شديد البطش على وساوس الشيطان
فالشيطان حاله مع المؤمن كلما أراد أن يدخل إلى فكره ويشغله
وجد الطرد بالذكر...
فعلاج هذا الأمر التفكر في خلق الله وذكره في السر والنجوى
وصد هذه الوساوس بما يبعدها ويطردها عنه من ذكر وقرآن
وأما من أشغل نفسه بمثل هذه الوساوس فتراه كالجيفة تتخطفها الطيور
وكالدمية في يد الصغير
فلا يهدأ له بال ولا يغمض له جفن من هذه الوساوس والأفكار
التي لو استعان بالله لكفاه الله منها ولأعانه [/center][/color]