أي نعيمٍ كان يعيش فيه ، جنةً لا يجوع فيها و لا يعرى ، و لا يظمأ فيها و لا يضحى ، و تهب رياح الأزمة مع وسوسة شيطان أخنس ، و بأمر الله تعالى ، يهبط آدم من الجنة ،
أي أزمة تعرض لها و لكنها كانت فرصة لاعتناق البشرية لدين الله تعالى و دخول الجنة لمن آمن منهم .
تكذيب قوم نوح له كان أزمة شديدة بذل لها من الجهد و الوقت ما لم يخلد القرآن غيره من حيث طول المدة ، فكانت فرصة للانتقال بالفئة المؤمنة إلى بقعة أخرى ليستمر التوحيد على هذه الأرض .
يا لهف القلب عليها و هي تضعه بيديها في هذا الصندوق الخشبي و بكل ما تبقى لديها من صور القوة ، فأي قوة حقيقية كان من الممكن أن تدعيها في هذه اللحظات تدفع به إلى اليم ، لماذا ؟
ألِتحفظه ، أي عقل يقبل ذلك ، و لكنه كان لأن الله تعالى أراد أن يكون ، و ينجو موسى ، أي أزمة عاشتها أم موسى ، و أي فرصة تمخضت عنها لتكون بجانبه و لا يرضعه غيرها ، و كانت فرصة بأمر الله تعالى ليحيا موسى في قصر فرعون و تتفيأ آسية ظلال الإيمان و يكون موقفها مضرب الأمثال عبر الأزمان في الصبر و الثبات ،
و خروجه من مصر كان أزمة ، و كان فرصة للرحيل إلى أرض جديدة و المصاهرة من أسرة كريمة ، و نزول الوحي عليه و إقامة الحجة على فرعون ، و من ثم إيمان السحرة إيماناً صادقاً لا رجعة فيه .
كم هو مظلم مخيف ، أهان عليهم إلى هذا الحد و هو الشقيق الحبيب ، كم بقي يوسف عليه السلام في البئر ، وأي أزمة كان من ورائها أزمات ، فترواده عن نفسه من عشقته بكل ذرة في كيانها و هي التي يوماً ما تشهد على برائته و بين هذا و ذاك يعيش أزمة الأسر ، فتشرق شمس الفرصة على بساط نشر الدعوة لتوحيد الله تعالى ، و يتخذ مكانة عند من يتذكره بعد أمة ، فإذا هي فرصة لإنقاذ الراعي و الرعية بتفسير صحيح للرؤية و من ثم تطبيق الموازنة الإقتصادية التي أشار بها يوسف عليه السلام مما ينقذ البلاد من شبح مجاعة كادت أن تفتك بأهل الأمصار المجاورة .
عداء قريش المستمر للحبيب صلى الله عليه و سلم كان أزمة ، و كانت ورائها فرصة ذهابه للطائف و التي هي و بكل المقاييس المادية لم تتحقق أي نجاح ، و لكنها كانت فرصة لإسلام عداس ، ليتعلم المسلم أنه مهما بلغ به الضعف و انعدام الحيل ، فلن يعجز عن بدء كلماته بالتسمية ، هكذا فعل الحبيب صلى الله عليه و سلم ، فأشرق الكون بدخول نفس بشرية في دين الله تعالى .
لما استحر القتل في القراء يوم اليمامة ، شكل هذا أزمة شديدة ، كان من الممكن أن يضيع معها القرآن ، و كانت فرصة عظيمة عادت بالخير و البركة على البشرية كلها ، إذ تمت كتابة المصحف و تدوينه و حفظه في عهد أبي بكر ،
و اختلاف القراء في عهد عثمان كان أزمة كادت أن تُوقع فتنة بين الصحابة و كان من ورائها فرصة اجتماع المسلمين على مصحف واحد.
محنة الإمام احمد و سجنه ظلماً كانت أزمة ، و كان من ورائها نصرة لسنة الحبيب صلى الله عليه و سلم لا زالت حديث الأمة إلى يومنا هذا .
ما يلقاه إخواننا في فلسطين و يعيشون فيه على مدار اليوم و الساعة ، كان و لا يزال أزمة ، و لكننا نلمح بصيص الأمل لفرصٍ ، لعل أولها فوز حماس في الانتخابات ، و ما زالت الأزمات تتوالى عليهم و سيعقبها بإذن الله تعالى فرصاً عظيمة .
و هذا على سبيل المثال لا الحصر و إلا طال المقام.
كيف تكون الحياة فرصة ، و كيف نحول كل ما يقابلنا فيها من ابتلاءات سواء بما نحب أو نكره إلى فرصة ؟
يُقعد لنا الحبيب صلى الله عليه و سلم آلية الوصول إلى هذا المغنم بكلمات بسيطة و عند الفعل كم تحتاج إلى قدرة و عزيمة
( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن إصابته سراء شكر فكان خيراً لهو إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) .
في الفقه أبواب كثيرة ، أترانا في زماننا أصبحنا بحاجة لسؤال العلماء إضافة باباً حول فقه إدارة الأزمات و آلية تحويلها إلى فرص على ضوء الكتاب و السنة ؟
أم يكفي للمرء أن يبحث عن هذه الفنون و يتعلمها بغض النظر عن أي ثقافة تصدر ، فالحياة فرصة لا وطن لها و لا جنسية ، و مهارة اللاحدود ،
و من ثم يتقن المسلم التأصيل بحسب عقيدته ، فيقبل و يرفض و يتعايش و يعدل ...الخ ؟
هل أنت مقتنع أن الحياة فرصة تتفاعل معها وهي لك دوماً بوابة مشرعة للتغيير و تحقيق إنجازات و كسب للجولات مع ما قد يصاحب ذلك من فشل و نجاحات ،
أم انك تقبلها كما هي ، تمضي بك الأيام ، يومك كالغد ما اختلف عن الأمس ؟
و لئن كنت على قناعة بأنها حقاً فرصة ، فمالذي قعد بك عن خوض غمار المحاولة ، مالذي يقيدك لتتجرأ ...
أن تكون مختلفاً
أن تتبنى موقفاً عندما تراه صحيحاً ؟
الحياة فرصة
لماذا و كيف ؟