عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: « طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس »
[size=9](1)أخرجه البزار بإسناد حسن. وهذا مما وقع للحافظ -رحمه الله- ويقع له بعض
الأوهام في بعض الحكم، ولهذا قوله بإسناد حسن، هذا فيه نظر. الصواب أن
الحديث لا يصح بل هو ضعيف أو ضعيف جدا، وهو من طريق رجل يقال له الوليد بن
المهلب وهو ضعيف أو ضعيف جدا، ولهذا هذا الخبر بهذا الطريق لا يصح، وقوله
إخراجه بإسناد حسن، إما أنه إن كان قلد غيره، أو أنه -رحمه الله- وقت
تصنيفه كان غفل عنه أو لم يستحضر حاله، فكان يملي من حفظه كما هو الظاهر من
صنيعه في هذا الكتاب، رحمه الله.
كذلك من طريق رجل آخر أيضا وهو النضر بن محرز، فالحديث لا يصح بهذا، لكن
معناه صحيح، وذلك أن الواجب على الإنسان أن ينشغل بعيوبه عن عيوب غيره، حتى
يصلح على حاله، لكن ليس معنى ذلك أنه لا ينكر منكرا، لأنه قد يوهم من
عمومه أن الإنسان لا ينكر على غيره عيبا إذا كان فيه عيب، فيصلح نفسه أولا
ثم يصلح غيره، لا، ليس هذا مراده، قال "عن عيوب الناس" كأن هذا، والله
أعلم، العيوب التي ربما قد تكون من الأمور التي لا تُستنكر من جهة الشرع
لكن يستعيبها الناس بينهم فيتكلمون بها، أو أنه يتكلم، شغله الكلام، مجرد
كلام، فلان يقول كذا وفلان يفعل كذا، وهو في الحقيقة لا ينكر، وهذا أوجه ما
يحمل عليه هذا الحديث.
ولهذا قال: "من شغله عيبه عن عيوب الناس" لأن الذي لا يشغله عيبه عن عيوب
الناس يتكلم، فلان كذا وفلان فعل كذا، وفلان قال كذا، وهذا مع أنه أمرٌ
محرم قد يؤدي إلى نميمة وقد يؤدي إلى غيبة، أو هو نميمة أو غيبة، ومثل هذا
فيه وعيد، لكن من نظر إلى نفسه وعيوب نفسه وشغلته عيوب نفسه، والتفت إلى
معائبها، وإلى تقصيره وإلى ما يقع فيه من الذنوب، إذ ذنوبه كثيرة، فإنه
ينشغل، عن التكلم في الناس، بل تكون همته في دعوة الناس، وفي نصح الناس، لا
تصيد المعايب، لا يتصيد، بل يكون قصده النصح، ولو كان فيه قصور، وعلى هذا
يكون سعى في إصلاح نفسه، وإصلاح غيره.
وفي حديث سهل بن سعد بين -عليه الصلاة والسلام- قال: « إياكم ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا »
(1) رواه أحمد وغيره، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها-: « إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا »
(2) حديث سهل: « إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا منزلا
فأرادوا أن يصنعوا طعامهم، فجاء ذا بعود وذا بعود حتى تم حطب كثير فأشعلوا
نارا، ثم صنعوا نضيجهم بهذه الأعواد التي اجتمعت، هكذا مثل الذنوب تجتمع
عليه حتى تهلكه »
(3) ولهذا إذا نظر إلى عيوبه، من الأمور التي يقع فيها من الصغائر لوجد فيها
شغلا عن غيره، كأن يسعى في إصلاح نفسه ويكون نظره إلى غيره جهة النصح
بالدعوة والإرشاد والتوجيه، نعم.
(1)أخرجه البزار بإسناد حسن. (2) ابن ماجه : الزهد (4243) , وأحمد (6/151) , والدارمي : الرقاق (2726).(3) أحمد (5/331).