إن هناك قوماً أيقنوا بالجنة، ولم يكن قد مضى على إسلامهم سوى بضعة أشهر، مع أنها غيب لم يروه، ويبذلون مع ذلك في سبيلها أغلى ما يملكون: النفس والمال، ونحن نسمع عن الجنة مذ وعينا طوال عمرنا وما دفعنا نفس الثمن، فهل أيقنت نفوسنا هذا اليقين؟! وهل نحن على استعداد لنفس البذل؟! وآخر باع نفسه للعدو!! هل توقظك العبر فلا تستيقظ، وتعظك الآيات فلا تتعظ، ألم يكفك ما نزل بأمتك الثكلى عن جهالتك، ولا ردتك هزائمها المتوالية عن ضلالتك! تصغي إلى الهدى كأنك أصم، قد غطّى الهوى سمعك وعينك، وحال بينك وبين ربك، وملك الشيطان مفاتيح قلبك، ثم ضيعها حين رمى بها في متاهات الضلالة. كم طرقت بابك العظات لتنشلك من غفلتك، فناداك الشيطان: إياك والفلاح!! فسمعت له وأطعت، استسهلت القول واستصعبت العمل، أملت النجاة بغير تعب، وطلبت الجنة دون ثمن، إن افتقرت حزنت، وإن استغنيت فتنت، إن سألت ربك أكثرت، وإذا سألك ربك قتّرت، تنشط للطاعة يوماً أو بعض يوم، ثم سرعان ما تزهد، وتبغي الازدياد من الجديد