كان لي صديق – خفيف الدم – يدرس في المعهد العالي للعلوم الشرعية..
وهذه الميزة جعلته (في نظر مراهقي الحارة) مؤهلا للإفتاء والإجابة على أسئلتهم الفقهية.. ورغم خفة ظله
ورحابة صدره إلا أنه كان يرفض الإجابة على أسئلتهم ويكرر دائما: لست مؤهلا للإفتاء ولا أتحمل وزر أي جواب..
غير أن شابا ملتزما (لم يتجاوز الخامسة عشرة) لم يقتنع بموقفه هذا واستمر يسأله عن قضايا خلافية عويصة..
وذات يوم سأله فجأة – وبدون مناسبة: ياشيخ خالد، اختلف العلماء في أمر الفخذ؛ فالبعض يقول إنه
عورة والبعض يقول إنه ليس عورة فماذا تقول أنت!؟ فرد عليه بعصبية: يعتمد هذا على نوع الفخذ نفسه…
قوووم لا أصكك بفنجان الشاي!!
هذه الفتوى الطريفة تذكرتها اليوم وأنا أقرأ قصة مشابهة عن الإمام الشعبي الذي عرف بأجوبته الطريفة
والمتهكمة على الأسئلة الغبية والمتنطعة
(وأنا شخصيا أعذر الرجل كون طبيعة بعض الأسئلة لا تترك غير الإجابة عليها بهذه الطريقة)..
فقد سأله أحدهم مثلا عن كيفية مسح اللحية؛ فأجابه: خللها بأصابعك.. فعاد وسأله:
ولكن أخاف ألا تبتل!! فقال: انقعها من أول الليل!!
وذات يوم حضر إليه رجل بخيل وسأله عن كفارة من صلى العيد ولم يشتر لأهله حلوى؛ فقال الشعبي :
كفارته ان يتصدق بدرهمين.. فلما ذهب الرجل راجعه طلابه في هذه الفتوى، فقال :
لا بأس ان نفرح قلوب المساكين بدراهم هذا الاحمق!!
وسأله رجل: هل يجوز للمحرم أن يحك بدنه؟ قال: نعم، قال الرجل: مقدار كم؟ قال: حتى يبدو العظم!
وسأله آخر: ماتقول في انسان شتمني في أول يوم في رمضان أتراه يؤجر فقال الشعبي: إن قال يا أحمق نعم.
وذات يوم أتى رجل يبحث عن الشعبي فوجده واقفا مع امرأة تستفتيه، فسألهما : أيكما الشعبي؟
فأشار الشعبي إلى المرأة وقال: هذه!!
ومما يروى عنه أيضا أن رجلا سمع بحديث موضوع يقول: “تسحروا ولو ان يغمس أحدكم أصبعه في
التراب ثم يضعه في فمه”.. وبدل أن يسأل الشعبي عن صحة الحديث حضر ليسأله عن أي أصبع يضع
بالتراب، فرفع الشعبي رجله وعض إبهام قدمه وقال: هذا!
وعلى ذكر السحور – ورفع القدمين – جميعنا يعرف فتوى أبو حنيفة في الفطور ومد القدمين..
فذات يوم دخل عليه رجل تبدو عليه سمات الوقار والهيبة (لدرجة) ضم أبو حنيفة قدميه احتراما له..
وبعد طول صمت تحدث الرجل وقال: يا ابا حنيفة متى يفطر الصائم!؟
قال: عند غروب الشمس.
فقال الرجل: وان لم تغرب إلى منتصف الليل؟
فابتسم ابو حنيفة وقال: آن لأبي حنيفة ان يمد رجليه!
هذه الفتاوى – على طرافتها – قد تكون الرد المناسب على سذاجة السؤال، وتنطع السائل
وتعمق العامة في تفرعات مستحيلة لا يناقشها حتى العلماء..
وكما بدأنا المقال بفتوى “معاصرة” دعونا ننهيها بفتوى “طازة” سمعتها من أحد الكتاب..
فذات يوم سأل شاب أحد المشايخ عن الخلاف في لبس البنطلون وهل يجوز لزوجته أن تلبسه أمامه داخل المنزل!؟
فابتسم الشيخ وقال: هل لديكم أولاد؟ فقال الشاب: مازلنا عرسان، فقال الشيخ:
الأولى أن تبقوا “زلط ملط” للخروج من الخلاف وإنجاب الأطفال!