( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف .
هــــذه الآية الكريمة جامعة لمعاني حسن الخلق مع الناس ،
وما ينبغي للعبد سلوكه في معاملتهم ومعاشرتهم ، فـــأمـر
تعـالى بأخذ ( الْعَفْوَ ) وهو ما سمحت به أنفسهم وسهلت به
أخلاقهم من الأعمال والأخلاق، بل يقبل ما سهل، ولا يكلفهم
ما لا تسمح به طبائعهم ، ولا ما لا يطيقونه ، بل عليـه أن
يشكر من كل أحد ما قابله بـه من قول وعمل وخلق جميل ،
وما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن
نقصهم ، وعمـا أتوا به وعاملوه به من النقص ، ولا يتكبر
عــلـى صغير لصغره ، ولا ناقص العقل لنقصه ، ولا الفقير
لفقره ، بــل يعــامـــل الجميع باللطف ، وما تقتضيه الحال
الحاضرة ، وبما تنشرح له صدورهم ، ويوقر الكبير ،
ويحنو على الصغير ، ويجامل النظير .
( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) وهو كل قول حسن وفعل جميل وخلق كامل
للقريب والبعيد ، فاجعل ما يأتي إلى النــاس منك : إما تعليم
علم ديني أو دنيوي ، أو نصيحة أو حث لهم على خير مــن
عبادة الله، وصلة رحم، وبر الوالدين، وإصلاح بين الناس ،
أو رأي مصيب ، أو معاونة علـى بر وتقوى ، أو زجر عن
قبيح ، أو إرشاد إلى مصلحة دينية أو دنيوية ، أو تحذير
من ضد ذلك .
ولمـــا كان لا بد للعبد من أذية الجاهلين له بالقول أو بالفعل
أمـر الله بالإعراض عنهم ، وعدم مقابلة الجاهلين بجهلهم ،
فمن آذاك بقوله أو فعله فلا تؤذه ، ومن حرمك فلا تحرمه ،
ومن قطعك فصله ، ومن ظلمك فاعدل فيه ، فبــذلك يحصــل
لك من الثواب من الله ، ومن راحة القلب وسكونه ، ومــــن
السلامة من الجاهلين ، ومن انقلاب العدو صديقا ، ومــــن
التبوء من مكارم الأخلاق أعلاها ، أكبر حظ وأوفر نصيب ،
قــال تعـالى ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت : 34 - 35 .
الكتاب : تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن (ص83)
للشيـــخ : عبد الرحمن السعـدي رحمه الله تعالى